( وَتَقَاسَمَ النَّاسُ السَّخاءَ مُجَزَّأً ... وَذَهَبْتَ أَنْتَ بِرَأْسِهِ وَسَنَامِهِ ) .
( وَتَرَكْتَ لِلنَّاسِ الإِهَابَ وَمَا بَقَى ... مِنْ فَرْثِهِ وَعُروقِهِ وَعِظَامِهِ ) .
والقبح الفاحش في البيت الثاني فإن غرضه أن يقول ذهب بالأعلى وترك للناس الأدنى أو ذهبت بالجيد وتركت للناس الرديء .
وقد عيب عليه قوله .
( لاَ تَسْقِني ماءَ المُلاَمِ فإِنَّني ... صَبٌّ قَدِ اسْتَعْذَبْتُ مَاءَ بكائي ) .
وقيل إنه جعل للملام ماء وذلك تشبيه بعيد وما بهذا التشبيه عندي من بأس بل هو من التشبيهات المتوسطة التي لا تحمد ولا تذم وهو قريب من وجه بعيد من وجه أما مناسب قربه فهو أن الملام هو القول الذي يعنف به الملوم لأمر جناه وذاك مختص بالسمع فنقله أبو تمام إلى السقيا التي هي مختصة بالحلق كأنه قال لا تذقني الملام ولو تهيأ له ذلك مع وزن الشعر لكان تشبيها حسنا لكنه جاء بذكر الماء فحط من درجته شيئا ولما كان السمع يتجرع الملام أولا أولا كتجرع الحلق الماء صار كأنه شبيه به وهو تشبيه معنى بصورة وأما سبب بعد هذا التشبيه فهو أن الماء مستلذ والملام مستكره فحصل بينهما مخالفة من هذا الوجه فهذا التشبيه إن بعد من وجه فقرب من وجه فيغفر هذا لهذا ولذلك جعلته من التشبيهات المتوسطة التي لا تحمد ولا تذم