وأما ما ورد منه مضمر الأداة فكقول النبي وقد سئل عن العزل فقال ( هو الوأد الخفي ) وهذا تشبيه بليغ والوأد هو ما كانت العرب تفعله في دفن البنات أحياء فجعل العزل في الجماع كالوأد إلا أنه خفي وذاك أنهم كانوا يفعلون بالبنات ذلك هربا منهن وهكذا من يعزل في الجماع فإنما يفعل ذلك هربا من الولد .
وكذلك قال النبي ( هو الوأدة الصغرى ) وهذا من الحسن إلى غابة تغض لها العيون طرفها ولا ينتهي الوصف إليها فيكون ترك وصفها كوصفها .
ومما جاءني من ذلك فصل من جملة كتاب ضمنته وصف القلم فقلت جدع أنفه فصار في الكيد قصيرا وأرهف صدره فصار في المضاء غضبا شهيرا وقمص لباس السواد وهو شعار الخطباء فنطق بفصل الخطاب ونكس رأسه وهي صورة الإذلال فاختال في مشيه من الإعجاب وأوحى إليه بنجوى الخواطر وهو الأصم فأفضى بما سمعه إلى الكتاب .
وهذه الأوصاف غريبة جدا ومن أغربها ذكر قصير عند جدع الأنف .
وأما القسم الرابع وهو تشبيه المركب بالمفرد فإنه قليل الاستعمال بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة وليس ذلك إلا لعدم النظير بين المشبه والمشبه به وعلى كثرة ما حفظته من الأشعار لم أجد ما أمثل به هذا القسم إلا مثالا واحدا وهو قول أبي تمام في وصف الربيع .
( يَا صَاحِبَيَّ تَقَصَّيَا نَظَرَيْكُمَا ... تَرَيَا وُجُوهَ الأَرْضِ كَيْفَ تُصَوَّرُ ) .
( تَرَيَا نَهَاراً مُشْمِساً قَدْ شَابَهُ ... زَهْرُ الرُّبَا فَكَأَنَّمَا هُوَ مُقْمِرُ )