( كالْحُسَامِ الْجَرَازِ يَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ ... وَيُفْنَي في كلِّ حِينٍ قِرَابَهْ ) .
وكذلك ورد قول ابن الرومي .
( أَدْرِكْ ثِقَاتَكَ إنَّهُمْ وَقَعُوا ... في نَرْجِسٍ مَعَهُ ابْنَةُ الْعِنَبِ ) .
( فَهُمُ بِحَالٍ لَوْ بَصُرْتَ بِهَا ... سَبَّحْتَ مِنْ عُجْبٍ وَمِنْ عَجَبِ ) .
( رَيْحَانُهُمْ ذَهَبٌ عَلَى دُرَرٍ ... وَشَرَابُهُمْ دُرَرٌ عَلَى ذَهَبِ ) .
وهذا تشبيه صنيع إلا أن تشبيه البحتري أصنع وذلك أن هذا التشبيه صدر عن صورة مشاهدة وذاك إنما استنبطه استنابطا من خاطره وإذا شئت أن تفرق بين صناعة التشبيه فانظر إلى ما أشرت إليه ههنا فإن كان أحد التشبيهين عن صورة مشاهدة والآخر عن صورة غير مشاهدة فاعلم أن الذي هو عن صورة غير مشاهدة أصنع ولعمري إن التشبيهين كليهما لا بد فيهما من صورة تحكي لكن أحدهما شوهدت الصورة فيه فحكيت والآخر استنبطها ألا ترى أن ابن الرومي نظر إلى النرجس وإلى الخمر فشبه وأما البحتري فإنه مدح قوما بأن خلق السماح باق فيهم ينتقل عن الأول إلى الآخر ثم استنبط لذلك تشبيها فأداه فكره إلى السيف وقربه التي تفنى في كل حين وهو باق لا يفنى بفنائها ومن أجل ذلك كان البحتري أصنع في تشبيهه .
وسأورد ههنا من كلامي نبذة يسيرة فمن ذلك ما كتبته من جملة كتاب إلى ديوان الخلافة أذكر فيه نزول العدو الكافر على ثغر عكا في سنة خمس وثمانين وخمسمائة فقلت وأحاط بها العدو إحاطة الشفاه بالثغور ونزل عليها نزول