فاعلم أنه تشبيه مركب بمركب وكذلك إذا جاءك شيء من القسم الرابع والقسم الخامس فإنهما من باب تشبيه المركب بالمركب .
ولنرجع إلى ذكر ما أشرنا إليه أولا في تقسيم التشبيه إلى الأربعة الأقسام الأخرى التي هي تشبيه مفرد بمفرد وتشبيه مركب بمركب وتشبه مفرد بمركب وتشبه مركب بمفرد .
فالقسم الأول منها كقوله تعالى في المضمر الأداة ( وجعلنا الليل لباسا ) فشبه الليل باللباس .
وذاك أنه يستر الناس بعضهم عن بعض لمن أراد هربا من عدو أو ثباتا لعدو أو إخفاء ما لا يحب الإطلاع عليه من أمره وهذا من التشبيهات التي لم يأته بها إلا القرآن الكريم فإن تشبيه الليل باللباس مما اختص به دون غيره من الكلام المنظوم والمنثور .
وكذلك قوله تعالى ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) فشبه المرأة باللباس للرجل وشبه الرجل باللباس للمرأة .
ومن محاسن التشبيهات قوله تعالى ( نساؤكم حرث لكم ) وهذا يكاد ينقله تناسبه عن درجة المجاز إلى الحقيقة والحرث هو الأرض التي تحرث للزرع وكذلك الرحم يزدرع فيه الولد ازدراعا كما يزدرع البذر في الأرض .
ومن هذا الأسلوب قوله تعالى ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) فشبه تبرؤ الليل من النهار بانسلاخ الجلد المسلوخ وذاك أنه لما كانت هوادي الصبح عند طلوعه ملتحمة بأعجاز الليل أجرى عليهما اسم السلخ وكان ذلك أولى من أن لو قيل يخرج لأن السلخ أدل على الالتحام من الإخراج وهذا تشبيه في غاية المناسبة .
وكذلك ورد قوله تعالى ( واشتعل الرأس شيبا ) فشبه انتشار الشيب باشتعال النار ولما كان الشيب يأخذ في الرأس ويسعى فيه شيئا فشيئا حتى يحيله إلى غير لونه الأول بمنزلة النار التي تشتعل في الجسم وتسري فيه حتى تحيله إلى غير حاله الأولى وأحسن من هذا أن يقال إنه شبه انتشار الشيب باشتعال النار في سرعة