حين تشد ولا تنطلق في شأنها إلا حين تعطف وترد ولها نثار أحكم تصويرها وصحح تدويرها فهي في لونها صندلية الإهاب وكأنما صيغت لقوتها من حجر لا من تراب فإذا قذفتها إلى الأطيار قيل ويصعد من الأرض من جبال فيها من برد ولا يرى حينئذ إلا قتيل ولكن بالمثقل الذي لا يجب في مثله قود فهي كافلة من تلك الأطيار بقبض نفوسها منزلة لها من جو السماء على أم رءوسها .
هذا الفصل يشتمل على معان غريبة منها قولي إنها لا تتمكن من البطش إلا حين تشد ولا تنطلق في شأنها إلا حين تعطف وترد ومنها قولي ويصعد من الأرض من جبال فيها من برد وكل هذا من المعاني التي تبتدع بالنظر إلى المقصد المكتوب فيه فإن الكاتب إذا أفكر فيما لديه وتأمله وكان قادرا على استخراج المعنى والمناسبة بينه وبين مقصده جاء هكذا كما تراه إلا أن القادر على ذلك من أقدره الله عليه فما كان خاطر بحكيم ولا كل من أوحى إليه بكليم وفي الأقلام هاشم لمن ناوأه ومنها هشيم .
وسأنبه في هذا الموضع على طريق يسلك إلى شيء من المعاني المخترعة وهو ما استخرجته وانفردت باستخراجه دون غيري فإن المعاني المخترعة لم يتكلم فيها أحد بالإشارة إلى طريق يسلك فيها لأن ذلك مما لا يمكن ومن ههنا أضرب علماء البيان عنه ولم يتكلموا فيه كما تكلموا في غيره وكيف تتقيد المعاني المخترعة بقيد أو يفتح إليها طريق تسلك وهي تأتي من فيض إلهي بغير تعليم ولهذا اختص بها بعض الناثرين والناظمين دون بعض والذي يخص بها يكون فذا واحدا يوجد في الزمن المتطاول ولما مارست أنا هذا الفن أعني فن الكتاب وقلبته ظهرا لبطن وفتشت عن دفائنه وخباياه وأكثرت من تحصيل مواده والأسباب الموصلة إلى الغاية منه سنح لي في شيء من المعاني المخترعة طريق سلكته وهو يستخرج من كتاب الله تعالى وأحاديث نبيه وقد تقدم لي منه أمثلة في هذا الكتاب وذلك أنه ترد الآية من كتاب الله أو الحديث النبوي والمراد بهما معنى من المعاني فآخذ أنا ذلك وأنقله إلى معنى آخر فيصير مخترعا لي