الخادم على انفراده كاف لحامله ومكثر من حقوق وسائله وقد صدر مخاطبا عن فحوى ضميره فإنما تحق السفارة إذا قعد بكل طالب سعي سفيره وهو مع ذلك خفيفة صفحته وجيزة لمحته وإذا وجد لدى مولانا معولا فليس عليه أن يرد مطولا إذ التعويل على نجح مصدره لا على كثرة أسطره .
فانظر أيها المتأمل إلى هذا الكتاب وأعطه حقه من التأمل حتى ترى ما اشتمل عليه من المعاني وانظر كيف ذكرت الأول ثم الثاني ثم الثالث أما المعنى الأول فإنه يختص بذكر سعادة البيت الأيوبي ومنشئها وأنها ولدت بتكريت وهذا الرجل ينبغي أن يرعى بسببها إذ كان أبوه صاحبها وأما المعنى الثاني فإنه قصد الخدمة الظاهرية وهذا وسيلة ثانية توجب له ذماما وأما المعنى الثالث فإنه حرمة الكتاب الصادر على يده ثم إني مثلت ذلك بالدعاء النبوي وبتثليث النجوم فإن النبي كان إذا دعا دعا ثلاثا وإنما مثلت ذلك بالدعاء لأمرين أحدهما أنه موضع سؤال وضراعة والآخر أن الكتاب وسيلة ثالثة والدعاء ثلاث مرار وأما تثليث النجوم فإن التثليث سعد والتربيع نحس وأحسن المعاني الثلاثة التي تضمنها هذا الكتاب هو الأول والثالث وأما الثاني فإنه متداول فتأمل ما أشرت إليه وإذا شئت أن تكتب كتابا فافعل كما فعلت في هذا الكتاب إن كان الأمر الذي تكتب فيه غريب الوقوع .
واعلم أنه قد يقع المعنى المبتدع في غير أمر غريب الوقوع وذلك يكون قليلا بالنسبة إلى الوقائع الغريبة التي هي مظنة المعاني المبتدعة .
ومن هذا الباب ما أوردته في جملة رسالة طردية في وصف قسي البندق وحامليها وهو فإذا تناولوها في أيديهم قيل أهلة طالعة من أكف أقمار وإذا مثل غناؤها وغناؤهم قيل منايا مسوقة بأيدي أقدار وتلك قسي وضعت للعب لا للنضال ولردى الأطيار لا لردى الرجال وإذا نعتها ناعت قال إنها جمعت بين وصفي اللين والصلابة وصنعت من نوعين غريبين فحازت معنى الغرابة فهي مركبة من حيوان ونبات مؤلفة منهما على بعد الشتات فهذا من سكان البحر وسواحله وهذا من سكان البر ومجاهله ومن صفاتها أنها لا تتمكن من البطش إلا