أني بعثت معشوقا إلى معشوق وكلاهما محله القلب بل القلب من حبهما مخلوق وما أكرمه وهو وسيلة إلى مثله وحسنه من حسنه وإن لم يكن شكله من شكله وما وصف واصف إلا كان ما رآه منه فوق ما رواه ومن أغرب أوصافه وأحسنها أنه لم ير ذو وجهين وجيها سواه لا جرم أنه إذا سفر في أمر تلطف في فتح أبوابه وتناول وعره بسهله وبعده فبدله باقترابه ولو بعثت غيره لخفت ألا يكون في سفارته صادقا أو أنه كان يمضي سفيرا ويعود عاشقا فليس على الحسن أمانة وفي مثله تعذر الخيانة ولا لوم على العقول إذا نسيت هناك عزيمة رشدها ورأت مالا يحتمله كاهل جهدها ومن الذي يقوى درعه على تلك السهام أو يروم النجاة منها وقد حيل بينه وبين المرام وهذا الذي منعني أن أرسل إلا كيسا وكتابا فأحدهما يكون في السفارة والآخر على السر حجابا والسلام إن شاء الله تعالى .
وفي هذه الرقعة من المعاني الغريبة ما أذكره فالأول ما ذكرته في قسم الصدقات وفك الرقاب والثاني ما ذكرته في وصف الدينار وهو أنه وجيه ذو وجهين وقال النبي ( ذو الوجهين لا يكون وجيها ) وهذا معنى لم يسبقني أحد إليه وقد وصف الحريري الدينار في مقامه من مقاماته ولم يظفر بهذا المعنى ولا جاء من الأوصاف التي ذكرها بمثله والثالث إني بعثت معشوقا إلى معشوق .
ومن ذلك ما كتبته وكان توفيت زوجة بعض الملوك وتوفي معها ولد لها وهو طفل صغير وكان بينهما يومان وتلك المرأة بنت ملك من الملوك أيضا فكتب إليه من الأطراف المجاورة يعزونه وحضر عندي بعض الأدباء ممن يجب أن يكون كاتبا وعرض علي نسخة ما كوتب به ذلك الملك في التعزية بزوجته وولدها فوجدتها كتبا باردة غثة لا تعرب عن الحادثة بل بينها وبينها بعد المشرقين ومن شرط الكتاب أن يكون الكتاب مضمنا فض المعنى المقصود والتعازي مختلفة الأنحاء فتعازي النساء غير تعازي الرجال وهي من مستصعبات فن الكتابة والشعر وتعازي الرجال أيضا تختلف فلا يعزى بالميت على فراشه كما يعزى بالميت قتيلا ولا يعزى بالقتيل كما يعزى بالغريق وهكذا يجري الحكم في