فإن الشدنية لا تعاب شعرا وتعاب لو وردت في كتاب أو خطبة وهكذا يجري الحكم في أمثال هذه الألفاظ المشار إليها .
وعلى هذا فاعلم أن كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنثور من الألفاظ يسوغ استعماله في الكلام المنظوم وليس كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنظوم يسوغ استعماله في الكلام المنثور وذلك شيء استنبطته واطلعت عليه لكثرة ممارستي لهذا الفن ولأن الذوق الذي عندي دلني عليه فمن شاء فليقلدني فيه وإلا فليدمن النظر حتى يطلع على ما إطلعت عليه والأذهان في مثل هذا المقام تتفاوت .
وقد رأيت جماعة من مدعي هذه الصناعة يعتقدون أن الكلام الفصيح هو الذي يعز فهمه ويبعد متناوله وإذا رأوا كلاما وحشيا غامض الألفاظ يعجبون به ويصفونه بالفصاحة وهو بالضد من ذلك لأن الفصاحة هي الظهور والبيان لا الغموض والخفاء .
وسأبين لك ما تعتمد عليه في هذا الموضع فأقول .
الألفاظ تنقسم في الاستعمال إلى جزلة ورقيقة ولكل منهما موضع يحس استعماله فيه .
فالجزل منها يستعمل في وصف مواقف الحروب وفي قوارع التهديد والتخويف وأشباه ذلك .
وأما الرقيق منها فإنه يستعمل في وصف الأشواق وذكر أيام البعاد وفي استجلاب المودات وملاينات الاستعطاف وأشابه ذلك .
ولست أعني بالجزل من الألفاظ أن يكون وحشيا متوعرا عليه عنجهية البداوة بل أعني بالجزل أن يكون متينا على عذوبته في الفم ولذاذته في السمع وكذلك لست أعني بالرقيق أن يكون ركيكا سفسفا وإنما هو اللطيف الرقيق الحاشية الناعم الملمس كقول أبي تمام