وأوحشها ونقع ضلوعه وأعطشها وأقام له من الظنون السيئة جنودا تقاتله وتأخذ عليه شعب الأفكار فلا تزاوله وكانت كلماته طوالا وأوراقه ثقالا وما أفلت سطر من سطوره إلا كان الآخر له عقالا ولما استكمل الوقوف عليه ثقلت أطوار الخوف والرجاء من أطواره وعرضت عليه الجنة والنار في قرطاسه كما عرضت على رسول الله في عرض جداره ولولا وثوقه بأناة مولانا لذهبت نفسه فرقا وابتغى في السماء سلما وفي الأرض نفقا لكنه قد توسم في كرمه مخابل الصنع الوسيم وغره منه ما غره من ربه الكريم وعلم أن خلق حلمه يغلب خلق غضبه إذ هذا حادث وذاك قديم .
وفي هذا الفصل معنى خبر من الأخبار النبوية وهو أنه كان يخطب فمال بيده إلى الجدار وقال ( عرضت علي الجنة والنار في عرض هذا الجدار فلم أر كاليوم في الخير والشر ) .
ومن ذلك ما ذكرته في صدر كتاب إلى بعض الإخوان وهو الخادم يواصل بالدعاء الذي لا يزال لقلبه زميلا وللسانه رسيلا وإذا رفع أدنته الملائكة قربا إذا تباعدت من غيره ميلا ولا اعتداد بالدعاء إلا إذا صدر عن أكرم مصدر ووجد له فوق السماء مظهرا وإن لم يكن هناك من مظهر ووصف باطنه بأنه الأبيض الناصع الذي هو خير من ظاهر الأشعث الأغبر ولا يعامل الخادم أهل وده إلا بهذه المعاملة ومن خلقه المجازفة في بذل المودة إذا أخذ الناس نسبة المكايلة .
في هذا معنى خبرين أحدهما قول النبي ( إنه إذا كذب الكاذب تباعد الملك عنه ميلا لنتن كذبه ) والآخر قوله ( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) .
ومن هذا الباب ما ذكرته في كتاب يتضمن خطبة مودة فابتدأت الكلام فيه بعد تصدره بالدعاء فقلت لولا العادة لرفع الخادم كتابه هذا أن يسطر في ورقة وليس ذلك إلا لإرساله في خطبة مودة رأى صورتها في سرقة ولما تأملها قال إن يكن ذلك من عند الله يمضه وأبدي لها صفحة الرضا وإن كانت كل مودة لم ترضه وخير المودات ما ليس لها ضرة تشاركها في وسامتها ولا تضاهيها في درجة