( وَخُذْهُمْ بِالرُّقَى إنَّ الْمَهَارَى ... يُهَيِّجُهَا عَلَى السَّيْرِ الْحُدَاءُ ) .
ومن ذلك ما ذكرته في ذم الدنيا وهو أنكاد الدنيا مشوبة بالأشياء التي جبلت النفوس على حبها وكل ما تستلذه الأبدان من مأكلها فإنه يضرها من جهة طبها ولهذا يذمم من منفعة الهليلج ومضرة اللوزينج .
وأعجب من ذلك أنه لا ينتفع الإنسان بشيء من لذاتها إلا ضره من جهة ثوابه وهو كالذي ينتفع باصطلاء النار وهي محرقة لأثوابه وقد ضرب لذلك مثل من الأمثال وقيل إن كل ما ينفع الكبد مضر بالطحال .
وهذا مأخوذ من الأمثال العربية والمولدة .
ومن ذلك ما ذكرته في الزهد وهو الناس في الدنيا أبناء الساعة الراهنة وكما أن النفوس ليست فيها بقاطنة فكذلك الأحوال ليست بقاطنة ولهذا كانت المآتم بها كالأعراس يتفرق ندي جمعها فهذه تنسي ما مضى من لذة سرورها وهذه تنسي ما مضى من ألم فجعها ولا شبيه لها على ذلك إلا الأحلام التي يتلاشى خيالها عاجلا وتجعل اليقظة حقها باطلا وما ينبغي حينئذ أن يفرح بها مقبلة ولا يؤسى عليها مدبرة وكل ما تراه العين منها ثم يذهب فكأنها لم تره وغاية مطلوب الإنسان منها أن يمد له في مدة عمره ويملى له في امتداد كثره أما تعميره فيعترضه المشيب الذي هو عدم في وجود وهو أخو الموت في كل شيء إلا في سكنى اللحود فالجوارح التي يدرك بها الشهوات ترى وكل منها قد تحول وأصبح كالطلل الدارس الذي ليس عنده من معول فلا ليلى بليلى ولا النوار بالنوار ولا الأسماع أسماع ولا الأبصار أبصار وأما ماله فإن أمسكه فهو عرضة لوارث يأكله أو