وقد فسر سويد بن كراع العكلي ما قلنا في قوله .
( أبيت بأبواب القوافي كأنما ... أصادي بها سربا من الوحش نزعا ) .
( أكالئها حتى أعرس بعد ما ... يكون سحير او بعيد فأهجعا ) .
( عواصي إلا ما جعلت امامها ... عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا ) .
( أهبت بغر الآبدات وراجعت ... طريقا أملته القصائد مهيعا ) .
( بعيدة شأو لا يكاد يردها ... لها طالب حتى يكل ويظلعا ) .
( اذا خفت ان تردى علي رددتها ... وراء التراقي خشية ان تطلعا ) .
( وجشمها خوف ابن عفان ردها ... فثقفتها حولا جريدا ومربعا ) .
( وقد كان في نفسي عليها زيادة ... فلم أر الا ان أطيع وأسمعا ) .
وقال الحطيئة خير الشعر الحولي المحكك .
وكان الاصمعي يقول زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر وكذلك كل من يجود في جميع شعره ويقف عند كل بيت قاله وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة .
وكان يقال لولا ان الشعر كان قد استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف واصحاب الصنعة ومن يلتمس قعر الكلام واغتصاب الالفاظ لذهبوا مذهب المطبوعين الذين تأتيهم المعاني سهلا ورهوا وتنثال عليهم الالفاظ انثيالا وانما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي ورؤبة ولذلك قالوا في شعره مطرف بالآف وخمار بواف وكان يخالف في جميع ذلك الرواة والشعراء .
وكان ابو عبيدة يقول ويحكي ذلك عن يونس ومن تكسب بشعره والتمس به صلات الاشراف والقادة وجوائز الملوك والسادة في قصائد السماطين وبالطوال التي تنشد يوم الحفل لم يجد بدا من صنيع زهير والحطيئة وأشباههما واذا قالوا في غير ذلك أخذوا عفو الكلام وتركوا المجهود ولم ترهم مع ذلك يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد وفي صنعة طوال الخطب بل كان الكلام البائت عندهم كالمقتضب اقتدارا عليه وثقة بحسن عادة الله عندهم فيه .
وكانوا مع ذلك اذا احتاجوا الى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الامور بيتوه في صدورهم وقيدوه على أنفسهم فاذا قومه الثقاف وادخل الكير