معرفة خطأ الصمت ومعنى الصامت في صمته أخفى من معنى القائل في قوله والا فالسكوت عن قول الحق في معنى النطق بالباطل .
ولعمري ان الناس الى الكلام لأسرع لان في اصل التركيب ان الحاجة الى القول والعمل اكثر من الحاجة الى ترك العمل والسكوت عن جميع القول وليس الصمت كله أفضل من الكلام كله ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله بل قد علمنا ان عامة الكلام أفضل من عامة السكوت وقد قال الله D ( سماعون للكذب أكالون للسحت ) فجعل سمعه وكذبه سواء .
وقال الشاعر .
( بني عدي ألا ينهى سفيهكم ... إن السفيه اذا لم ينه مأمور ) .
وقال الآخر .
( فان أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلج ويستشري ) .
وكيف يكون الصمت أنفع والايثار له أفضل ونفعه لا يكاد يجاوز رأس صاحبه ونفع الكلام يعم ويخص والرواة لم يرووا سكوت الصامتين كما روت كلام الناطقين وبالكلام أرسل الله انبياءه لا بالصمت ومواضع الصمت المحمودة قليلة ومواضع الكلام المحمودة كثيرة وطول الصمت يفسد البيان وقال بكر بن عبد الله المزني طول الصمت حبسه كما قال عمر ترك الحركة عقله واذا ترك الانسان القول ماتت خواطره وتبلدت نفسه وفسد حسه وكانوا يروون صبيانهم الارجاز ويعلمونهم المناقلات ويأمرونهم برفع الصوت وتحقيق الاعراب لان ذلك يفتق اللهات ويفتح الجرم واللسان اذا اكثرت تحريكه رق ولان واذا أقللت تقليبه وأطلت إسكاته جسأ وغلظ وقال عبابة الجعفي لولا الدربة وسوء العادة لأمرت فتياننا ان يماري بعضهم بعضا وأية جارحة منعتها الحركة ولم تمرنها على الاعمال أصابها من التعقد على حسب ذلك المنع .
فلم قال رسول الله للنابغة الجعدي ( لا يفضض الله فاك ) ولم قال لكعب بن مالك ( ما نسي الله لك مقالك ذلك ) ولم قال لهيذان بن شيخ ( رب خطيب من عبس ) ولم قال لحسان لما هيج الغطاريف على بني عبد مناف ( والله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غبش الظلام ) ح