للسامع من الافتتان بما يسمع والذي يورث الاقتدار من التحكم والتسلط والذي يمكن الحاذق والمطبوع من التمويه للمعاني والخلابة وحسن المنطق وقال في بعض مواعظه أنذركم حسن الالفاظ وحلاوة مخارج الكلام فان المعنى اذا اكتسى لفظا حسنا وأعاره البليغ مخرجا سهلا ومنحه المتكلم قولا متعشقا صار في قلبك احلى ولصدرك أملا والمعاني اذا كسيت الالفاظ الكريمة وألبست الاوصاف الرفيعة تحولت في العيون عن مقادير صورها وأربت على حقائق اقدارها بقدر ما زينت وعلى حسب ما زخرفت فقد صارت الالفاظ في معنى المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيف وسلطان الهوى قوي ومدخل خدع الشيطان خفي .
فاذكر هذا الباب ولا تنسه وتأمله ولا تفرط فيه فان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لم يقل للاحنف بعد ان احتبسه حولا مجرما ليستكثر منه وليبالغ في تصفح حاله والتنقير عن شأنه ان رسول الله قد كان خوفنا كل منافق عليم وقد خفت ان تكون منهم إلا لما كان راعه من حسن منطقه ومال اليه لما رأى من رفقه وقلة تكلفه ولذلك قال رسول الله ( ان من البيان لسحرا ) .
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل أحسن في طلب حاجة وتأتي لها بكلام وجيز ومنطق حسن هذا والله السحر الحلال وقال رسول الله ( لا خلابة ) فالقصد من ذلك ان تجتنب السوقي والوحشي ولا تجعل همك في تهذيب الالفاظ وشغلك في التخلص الى غرائب المعاني وفي الاقتصار بلاغ وفي التوسط مجانبة للوعورة والخروج من سبيل من لا يحاسب نفسه وقد قال الشاعر .
( عليك بأوساط الامور فانها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا ) .
وقال الآخر .
( لا تذهبن في الامور فرطا ... لا تسألن ان سألت شططا ) .
( وكن من الناس جميعا وسطا ... ) .
وليكن كلامك بين المقصر والغالي فانك تسلم من الهجنة عند العلماء ومن فتنة الشيطان وقال أعرابي للحسن علمني دينا وسطا لا ذاهبا شطوطا