واعلم أن الأمر المختص بالمشبه به المثبت للمشبه منه ما لا يكمل وجه الشبه في المشبه به بدونه كما في قول أبي ذؤيب الهذلي .
( وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع ) .
فإن شبه المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفاع وضرار ولا رقة لمرحوم ولا بقيا على ذي فضيلة فأثبت للمنية الأظفار التي لا يكمل ذلك في السبع بدونها تحقيقا للمبالغة في التشبيه ومنه ما به يكون قوام وجه الشبه في المشبه به كما في قول الآخر .
( ولئن نطقت بشكر برك مفصحا ... فلسان حالي بالشكاية أنطق ) .
فإنه شبه الحال الدالة على المقصود بإنسان متكلم في الدلالة فأثبت لها اللسان الذي به قوام الدلالة في الإنسان وأما قول زهير .
( طحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرى أفراس الصبا ورواحله ) .
فيحتمل أن يكون استعارة تخييلية وأن يكون استعارة تحقيقية أما التخييل فأن يكون أراد أن يبين أنه ترك ما كان يرتكبه أو أن المحبة من الجهل والغي وأعرض عن معاودته فتعطلت آلاته كأي أمر وطنت النفس على تركه فإنه تهمل آلاته فتتعطل فشبه الصبا بجهة من جهات المسير كالحج والتجارة قضى منها الوطر فأهملت آلاتها فتعطلت فأثبت له الأفراس والرواحل فالصبا على هذا من الصبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوة لا بمعنى الفتاء وأما التحقيق فأن يكون أراد دواعي النفوس وشهواتها والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات أو الأسباب التي قلما تتآخذ في اتباع الغي إلا أوان الصبا