( دان على أيدي العفاة ... ) البيتين .
فإنك تحتاج في تعريف معنى البيت الأول إلى معرفة وجه المجاز في كونه دانيا وشاسعا ثم تعود إلى ما يعرض البيت الثاني عليك من حال البدر ثم تقابل إحدى الصورتين بالأخرى وتنظر كيف شرط في العلو الإفراط ليشاكل قوله شاسع لأن الشسوع هو الشديد من البعد ثم قابله بما يشاكله من مراعاة التناهي في القرب فقال جد قريب فهذا ونحوه هو المراد بالحاجة إلى الفكر وهل شيء أحلى من الفكر إذا صادف نهجا قويما إلى المراد .
قال الجاحظ في أثناء فصل يذكر فيه ما في الفكر من الفضيلة وأين تقع لذة البهيمة بالعلوفة ولذة السبع بلطع الدم وأكل اللحم من سرور الظفر بالأعداء ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان قرعه وقد يتصرف في القريب المبتذل بما يخرجه من الابتذال إلى الغرابة وهو على وجوه منها أن يكون كقوله .
( لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلا بوجه ليس فيه حياء ) وقوله .
( فردت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع ) .
( فوالله ما أدري أأحلام نائم ... ألمت بنا أم كان في الركب يوشع ) .
فإن تشبيه وجوه الحسان بالشمس مبتذل لكن كل واحد من حديث الحياء في الأول والتشكيك مع ذكر يوشع عليه السلام في الثاني أخرجه من الابتذال إلى الغرابة وشبيه بالأول قول الآخر .
( إن السحاب لتستحي إذا نظرت ... إلى نداك فقاسته بما فيها )