يجعل صاحبها في حكم من يمشي في الظلمة فلا يهتدي إلى الطريق ولا يفصل الشيء من غيره فلا يأمن أن يتردى في مهواة أو يعثر على عدو قاتل أو آفة مهلكة شبهت بالظلمة ولزم على عكس ذلك أن تشبه السنة والهدى وكل ما هو علم بالنور وعليهما قوله تعالى ( يخرجهم من الظلمات إلى النور ) وشاع ذلك حتى وصف الصنف الأول بالسواد كما في قول القائل شاهدت سواد الكفر من جبين فلان والصنف الثاني بالبياض كما في قول النبي ( أتيتكم بالحنيفية بالبيضاء وذلك لتخييل أن السنن ونحوها من الجنس الذي هو إشراق أو ابيضاض في العين وأن البدعة ونحوها على خلاف ذلك فصار تشبيه النجوم ما بين الدياجي بالسنن ما بين الابتداع كتشبيه النجوم في الظلام ببياض الشيب في سواد الشباب وبالأنوار مؤتلقة بين النبات الشديد الخضرة فالتأويل فيه أن تخيل ما ليس بمتلون متلونا ويحتمل وجها آخر وهو أن يتأول بأنه أراد معنى قولهم إن سواد الظلام يزيد النجوم حسنا فإنه لما كان وقوف العاقل على عوار الباطل يزيد الحق نبلا في نفسه وحسنا في مرآة عقله جعل هذا الأصل من المعقول مثالا للمشاهد المبصر هناك غير أنه لا يخرج مع هذا عن كونه على خلاف الظاهر لأن الظاهر أن يمثل المعقول في ذلك بالمحسوس كم فعل البحتري في قوله .
( وقد زادها إفراط حسن جوارها ... خلائق أصفار من المجد خيب ) .
( وحسن دراري الكواكب أن ترى ... طوالع في داج من الليل غيهب )