تفكرا ولكنه أراد أن يقول أفناني النحول فلم يبق مني غير خواطر تجول حتى لو شئت البكاء فمريت جفوني وعصرت عيني ليسيل منها دمع لم أجده ولخرج منها بدل الدمع التفكر .
فالمراد بالبكاء في الأول الحقيقي وفي الثاني غير الحقيقي فالثاني لا يصح لأن يكون تفسيرا للأول وإما لدفع أن يتوهم السامع في أول الأمر إرادة شيء غير المراد كقول البحتري .
( وكم ذدت عني من تحامل حادث ... وسورة أيام حززن إلى العظم ) .
إذ لو قال حززن اللحم لجاز أن يتوهم السامع قبل ذكر ما بعده أن الحز كان في بعض اللحم ولم ينته إلى العظم فترك ذكر اللحم ليبرىء السامع من هذا الوهم ويصور في نفسه من أول الأمر أن الحز مضى في اللحم حتى لم يرده إلا العظم وإما لأنه أريد ذكره ثانيا على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه إظهارا لكمال العناية بوقوعه عليه كقول البحتري أيضا .
( قد طلبنا فلم نجد لك في السؤدد ... والمجد والمكارم مثلا ) .
أي قد طلبنا لك مثلا في السؤدد والمجد والمكارم فحذف المثل إذا كان غرضه أن يوقع نفي الوجود على صريح لفظ المثل ولأجل هذا المعنى بعينه عكس ذو الرمة في قوله .
( ولم أمدح لأرضيه بشعري ... لئيما أن يكون أصاب مالا ) .
فإنه أعمل الفعل الأول الذي هو أمدح في صريح لفظ اللئيم والثاني الذي هو أرضى في ضميره إذ كان غرضه إيقاع نفي المدح