إلي باطية من نبيذ وأسرجوا لي فأسرجوا له وأتوه بباطية من نبيذ فجعل يهينم فسمعته عجوز في الدار فطلعت في الدرجة حتى إذا نظرت إليه فإذا هو على الفراش عريان لما هو فيه فانحدرت فقالت ضيفكم مجنون رأيت منه كذا وكذا فقالوا لها اذهبي لطيتك نحن أعلم به وبما يمارس فما زال كذلك حتى كان السحر فإذا هو يكبر قد قالها ثمانين بيتا فلما بلغ إلى قوله .
( فغُضَّ الطَّرفَ إنّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فلا كَعْباً بَلغْتَ ولا كِلاَبَا ) .
فذاك حين كبر ثم قال أخزيته والله أخزيته ورب الكعبة ثم أصبح حتى إذا عرف أن الناس قد جلسوا في مجالسهم بالمربد وكان جرير يعرف مجلس الراعي ومجلس الفرزدق فدعا بدهن فادهن وكف رأسه وكان حسن الشعر ثم قال يا غلام أسرج لي فأسرج له حصانا ثم قصد مجلسهم حتى إذا كان بموضع السلام لم يسلم ثم قال يا غلام قل لعبيد الراعي أبعثتك نسوتك تكسبهن المال بالعراق والذي نفس جرير بيده لترجعن إليهن بما يسوءهن ولا يسرهن ثم اندفع في القصيدة فأنشدها فنكس الفرزدق رأسه وأطرق راعي الإبل فلو انشقت له الأرض لساخ فيها وأرم القوم حتى إذا فرغ منها سار فوثب راعي الإبل من ساعته فركب بغلته بشر وعر وتفرق أهل المجلس وصعد الراعي إلى منزله الذي كان ينزله ثم قال لأصحابه ركابكم ركابكم فليس لكم ها هنا مقام فضحكم والله جرير فقال له بعضهم ذلك شؤمك وشؤم جندل ابنك قال فما اشتغلوا بشيء غير ترحلهم قالوا فسرنا والله إلى أهلنا سيرا ما ساره أحد