فسمع منه سخنة عين فأظهر من السرور والطرب أمرا عظيما ليزيد بذلك عبيد الله بصيرة فيه ويجعله عيسى سببا قويا يشهد عند الرشيد بضعف عقله وعلمت ما أراد وعرفت أن عمرا الغزال أول داخل على الرشيد فلما كان وقت العصر من اليوم الثاني لم نشعر إلا برسول الرشيد قد جاء يطلب عمرا الغزال فوجه إليه وأقبل يلومني ويقول ما أظنك إلا قد فرقت بيني وبين عمرو وكنت غنيا عن الجمع بينه وبين عيسى واتفق أن غنى عمرو الرشيد في هذا الشعر صنعته .
( يا ريح ما تصنعين بالدِّمنِ ... كم لك من محوِ منظرٍ حسنِ ) .
وكان صوتا خفيفا مليحا فأطربه ووصله بألف دينار وصار في عداد مغني الرشيد إلا أنه كان يلازم عبيد الله إذا لم يكن له نوبة فأقبلت أتعجب من ذلك واتصلت خدمته إياه ثلاث سنين ثم انصرفا يوما من الشماسية مع عبيد الله بن جعفر فلقيه الخضر بن جبريل وكان في الناس في العسكر فعاتبه عبيد الله على تركه وانقطاعه عنه فقال والله ما أفعل ذلك جهلا بحقك ولا إخلالا بواجبك ولكنا في طريقين متباينين لا يمكن معهما الإجتماع .
قال وما هما ويحك قال أنت على نهاية السرف في محبة عمرو الغزال وأنا على نهاية السرف في بغضه وأنت تتوهم أنه لا يطيب لك عيش إلا به وأنا أتوهم أني إن عاشرته ساعة مت وتقطعت نفسي غيظا وكمدا وما يستقيم مع هذا بيننا عشرة أبدا فقال له عبيد الله إذا كان هذا هكذا فأنا أعفيك منه إذا زرتني فصر إلي آمنا ولم يجلس عبيد الله حتى قال لحاجبه لا تدخل اليوم أحدا ولا تستأذن علي لجلوسه ودخلنا فلما وضعت المائدة لم يأكل ثلاث لقم حتى دخل الحاجب فوقف بين يديه وأقبل عمرو الغزال خلفه فرآه من أقصى