وقد كان يعرفني وكنت متصلاً ببعض أسبابه فأدخلت إليه فقالت أنشدني يا خالد شيئاً من شعرك فقلت يا أمير المؤمنين ليس شعري من الشعر الذي قال فيه رسول الله " إن من الشعر لحكما " وإنما أمزح وأهمل فقال لا تقل هذا فإن جد الأدب وهزله جد هات أنشدني فأنشدته .
( عِش فَجُبِّيكَ سريعاً قاتلي ... والضنى إن لم تَصِلنْي واصلي ) .
( ظفِرَ الشوق بقَلْبٍ دَنِف ... فيك والسُّقم بجسمٍ ناحل ) .
( فهُما بين اكتئاب وضنىً ... تركاني كالقضيب الذابل ) .
قال فاستملح ذلك ووصلني .
حدثني حمزة بن أبي سلالة الشاعر الكوفي قال دخلت بغداد في بعض السنين فبينا أنا مار بجنينة إذا أنا برجل عليه مبطنة نظيفة وعلى رأسه قلنسية سوداء وهو راكب قصبة والصبيان خلفه يصيحون به يا خالد يا بارد فإذا آذوه حمل عليهم بالقصبة فلم أزل أطردهم عنه حتى تفرقوا وأدخلته بستاناً هناك فجلس واستراح واشتريت له رطباً فأكل واستنشدته فأنشدني .
( قدْ حازَ قلبِي فصار يملِكُهُ ... فكيف أَسْلو وكيف أتركه ) .
( رَطِيبُ جسمٍ كالماء تَحْسبه ... يَخْطِر في القلب مِنْه مسلَكُهُ ) .
( يكادُ يجري من القميص من النعمة ... لولا القميص يُمسكُهُ ) .
فاستزدته فقال لا ولا حرف .
وذكر علي بن الحسين بن أبي طلحة عن أبي الفضل الكاتب أنه دعا خالداً ذات يوم فأقام عنده وخلع عليه فما استقر به المجلس حتى خرج