فلما دخل عليه وسلم أمره بالجلوس فجلس واستنشده الشعر فأنشده إياه فاستحسنه وأمره بملازمته وأجرى عليه رزقا سنيا فكان أول من حرضه على قول الشعر فوالله ما بلغه أن الرشيد مات حتى كافأه على ما فعله من العطاء السني والغنى بعد الفقر والرفعة بعد الخمول بأقبح مكافأة وقال فيه من قصيدة مدح بها أهل البيت عليهم السلام وهجا الرشيد .
( وليس حيّ من الأحياء نعلَمه ... من ذي يمانٍ ومن بَكرٍ ومن مُضر ) .
( إلا وهمْ شركاءُ في دمائهم ... كما تشارَك أيسار عَلَى جُزر ) .
( قَتلٌ وأسر وتحريق ومنهبة ... فعل الغُزاة بأرض الروم والخَزَر ) .
( أرى أمية معذورين إن قَتلوا ... ولا أرى لبني العباس من عذُر ) .
( اربع بطُوس عَلَى القبر الزكي إذا ... ما كنت تربَع من دين عَلَى وطَر ) .
( قبران في طُوسَ خيرُ الناس كلِّهم ... وقبرُ شرِّهم هذا من العِبَر ) .
( ما ينفع الرّجسَ من قُرب الزكيّ ولا ... عَلَى الزكيّ بقُرب الرجس مِن ضرر ) .
( هيهات كلّ امرئ رهن بما كسبت ... له يداه فخذ ما شئت أو فذَر ) .
يعني قبر الرشيد وقبر الرضا عليه السلام فهذه واحدة .
وأما الثانية فإن المأمون لم يزَل يطلبه وهو طائر على وجهَه حتى دسّ إليه قوله .
( عِلْم وتحكيمٌ وشَيْبُ مَفارق ... طمَّسْنَ رَيعان الشباب الرائق ) .
( وإمارة في دولة ميمونة ... كانت على اللذات أشغبَ عائق ) .
( أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... يَرِث الخلافةَ فاسق عن فاسق )