فتعمدت أن قلت له أحسنت ليعاود مسألتي وأتغافل عنه فسألني وتغافلت فقال لي يا سيدي هذا التغافل متى حدث ذلك سألتك بالله وبحق أبيك عليك إلا أجبتني عن كلامي ولو بشتم فأقبلت عليه وقلت له أنت والله بغيض اسكت يا بغيض واكفف عن هذه المسألة الملحة فوثب من بين يدي وظننت أنه خرج لحاجة وإذا هو قد نزع ثيابه وتجرد منها خوفاً من أن تبتل ووقف تحت السماء لا يواريه منها شيء والمطر يأخذه ورفع رأسه وقال يا رب أنت تعلم أني مله ولست نائحاً وعبدك هذا الذي رفعته وأحوجتني إلى خدمته يقول لي أحسنت لا يقول لي أسأت وأنا منذ جلست أقول له بنيت لم أقل هدمت فيحلف بك جرأة عليك أني بغيض فاحكم بيني وبينه يا سيدي فأنت خير الحاكمين .
فغلبني الضحك وأمرت به فتنحى وجهدت به أن يغني فامتنع حتى حلفت له بحياتك يا أمير المؤمنين أني أفرش له داره وخدعته فلم أسم له ما أفرشها به فقال الرشيد طيب والله الآن تم لنا به اللهو وهو ذا أدعو به فإذا رآك فسوف يقتضيك الفرش لأنك حلفت له بحياتي فهو ينتجز ذلك بحضرتي ليكون أوثق له فقل له أنا أفرشها لك بالبواري وحاكمه إليه ثم دعا به فأحضر فما استقر في مجلسه حتى قال لجعفر بن يحي الفرش الذي حلفت لي بحياة أمير المؤمنين أنك تفرش به داري تقدم فيه فقال له جعفر اختر إن شئت فرشتها لك بالبواري وإن شئت بالبردي من الحصر فضج واضطرب .
فقال له الرشيد وكيف كانت القصة فأخبره فقال له أخطأت يا أبا صدقة إذ لم تسم النوع ولا حددت القيمة فإذا فرشها لك بالبواري أو بالبردي أو بما دون ذلك فقد وفى يمينه وإنما خدعك ولم تفطن له أنت ولا توثقت وضيعت حقك فسكت وقال نوفر البردي والبواري عليه أيضاً أعزه الله وغنى المغنون حتى انتهى إليه الدور فأخذ يغني غناء الملاحين والبنائين