لما ولى الرشيد جعفر بن يحيى خراسان جلس للناس فدخلوا عليه يهنئونه ثم دخل الشعراء فأنشدوه فقام أشجع آخرهم فاستأذن في الإنشاد فأذن له فأنشده قوله .
( أتصبِرُ للبَيْن أم تجزَعُ ... فإنّ الدِّيارَ غداً بَلْقَعُ ) .
( غداً يتفرَّق أهلُ الهوى ... ويكثُر باكٍ ومُسْتَرجِعُ ) .
حتى انتهى إلى قوله .
( ودَوِّيَةٍ بين أقطارِها ... مقاطيعُ أرضِينَ لا تُقْطعُ ) .
( تَجاوزْتُها فوق عَيْرانَةٍ ... من الريح في سَيرها أَسرعُ ) .
( إلى جعفرٍ نزعتْ رَغبةٌ ... وأيّ فَتىً نحوه تَنْزِعُ ) .
( فما دُونه لامرىءٍ مَطْمَعٌ ... ولا لامرىءٍ غيره مقنعُ ) .
( ولا يرفع الناسُ مَنْ حَطَّه ... ولا يَضَعُون الذي يَرفعُ ) .
( يُريدُ الملوكُ مَدى جعفرٍ ... ولا يَصنعُون كما يَصْنَعُ ) .
( وليس بأوْسَعِهم في الغِنَى ... ولكنَّ معروفه أوسعُ ) .
( تلوذُ الملوكُ بآرائه ... إذا نالها الحدَثُ الأفظعُ ) .
( بَدِيهَتهُ مِثلُ تَدْبيره ... متى رُمْتَه فهو مُسْتَجْمِعُ ) .
( وكم قائلٍ إذْ رأى ثَرْوَتي ... وما في فضول الغنى أصنعُ ) .
( غدَا في ظِلال نَدَى جعفرٍ ... يَجُرُّ ثِيابَ الغِنَى أشجعُ ) .
( فقُلْ لخراسانَ تحيا فقد ... أتاها ابنُ يحيى الفَتَى الأروعُ ) .
فأقبل عليه جعفر بن يحيى ضاحكا واستحسن شعره وجعل يخاطبه