رأيتموه نائما فليس أمره بشيء وإنما يتكلم بما جاء على لسانه ويهذي بما يهجس في خاطره وإذا رأيتموه ساهرا فهو صاحبكم فرمقوه بأبصارهم فوجدوه قد ركب رحلا فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح .
فلما أصبحوا قالوا أنت والله صاحبنا فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابتين وألبسوه حلة ثم غدوا به معهم على النعمان فوجدوه يتغدى ومعه الربيع وهما يأكلان ليس معه غيره والدار والمجالس مملوءة من الوفود .
فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه وقد كان تقارب أمرهم فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم فاعترض الربيع في كلامهم فقام لبيد يرتجز ويقول .
( يا رُبَّ هَيْجا هي خَيْرٌ من دَعَهْ ... أكُلَّ يوم هامَتِي مقَزَّعهْ ) .
( نحن بَنُو أُمِّ البنينَ الأربعهْ ... ومِنْ خيارِ عامرِ بْنِ صَعْصَعَهْ ) .
( المطعمون الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ ... والضاربون الهامَ تحت الخَيْضَعهْ ) .
( يا واهِبَ الخير الكثير مِنْ سَعهْ ... إليكَ جاوَزْنَا بلاداً مُسْبِعَهْ ) .
( يخبر عن هذا خبيرٌ فاسْمَعَهْ ... مَهْلاً - أبيت اللَّعْنَ - لا تأكُلْ معَهْ ) .
( إنّ استَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ ... وإنه يُدْخِلُ فيها إصبعهْ ) .
( يُدْخِلُها حتى يُواري أشْجَعَهْ ... كأنما يطلب شيئاً أطمعهْ ) .
فلما فرغ من إنشاده التفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه فقال أكذا