أخذ بعض ولاة المدينة المغنين والمخنثين والسفهاء بلزوم مسجد رسول اللهوكان في المسجد رجل ناسك يكنى أبا جعفر مولى لابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي يقرىء الناس القرآن وكان ابن عائشة يلازمه فخلا لابن عائشة يوما الموضع مع أبي جعفر فقرأ له فطرب ورجع فسمع الشيخ صوتا لم يسمع مثله قط فقال له يابن أخي أفسدت نفسك وضيعتها فلو أنك لزمت المسجد وتعلمت القرآن لأقمت للناس في مسجد رسول اللهفي شهر رمضان ولأصبت بذلك من الولاة خير فوالله ما دخل أذني قط صوت أحسن من صوتك فقال ابن عائشة فكيف لو سمعت يا أبا جعفر صوتي في الأمر الذي صنع له قال وما هو قال انطلق معي حتى أسمعكه فخرج معه إلى ميضأة ببقيع الغرقد عند دار المغيرة بن شعبة وكان أبو جعفر يتوضأ عندها كل يوم فاندفع ابن عائشة يغني .
( ألآنَ أبصرت الهدى ... وعلا المَشِيبُ مَفَارِقِي ) فبلغ ذلك من الشيخ كل مبلغ وقال يابن أخي هذا حسن وأنا أشتهي أن أسمعه ولكن لا أطلبه ولا أمشي إليه قال ابن عائشة فعلي أن أسمعكه فكان يرصده فإذا خرج أبو جعفر يتوضأ خرج ابن عائشة في أثره حتى يقف خلف جدار الميضأة بحيث يسمع غناءه فيغنيه أصواتا حتى يفرغ أبو جعفر من وضوئه .
فلم يزل يفعل ذلك حتى أطلقوا من لزوم المسجد