توحش ومالنا به عهد ولا ندري إلى أين صار فخرجت يوما أتصيد الأروى ومعي جماعة من أصحابي حتى إذا كنت بناحية الحمى إذا نحن بأراكة عظيمة قد بدا منها قطيع من الظباء فيها شخص إنسان يرى من خلل تلك الأراكة فعجب أصحابي من ذلك فعرفته وأتيته وعرفت أنه المجنون الذي أخبرت عنه فنزلت عن دابتي وتخففت من ثيابي وخرجت أمشي رويدا حتى أتيت الأراكة فارتقيت حتى صرت على أعلاها وأشرفت عليه وعلى الظباء فإذا به وقد تدلى الشعر على وجهه فلم أكد أعرفه إلا بتأمل شديد وهو يرتعي في ثمر تلك الأراكة فرفع رأسه فتمثلت ببيت من شعره .
( أَتَبكي على ليلى ونفسُك باعَدتْ ... مَزَارَكَ من ليلى وشِعْبَاكُما معَا ) .
قال فنفرت الظباء واندفع في باقي القصيدة ينشدها فما أنسى حسن نغمته وحسن صوته وهو يقول .
( فما حَسَنٌ أن تأتيَ الأمرَ طائعا ... وتَجْزَعَ أن داعي الصبابةِ أسمعا ) .
( بكتْ عَينيَ اليسرى فلما زجرتُها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلَتا معَا ) .
( وأذكرُ أيامَ الحِمَى ثم أَنثَني ... على كبدي من خَشيةٍ أن تَصدَّعا ) .
( فليسَتْ عَشِيَّاتُ الحِمَى برواجعٍ ... عليك ولكن خَلّ عينيكَ تَدمَعَا ) .
( معي كلُ غِرٍّ قد عصَى عاذلاته ... بوصل الغَوانِي من لَدُنْ أن تَرعرَعَا ) .
( إذ راحَ يمشِي في الرداءينِ أسرَعتْ ... إليه العيونُ الناظراتُ التطلُّعَا )