فنزل فربأ لأصحابه على جبل مشرف على القوم فإذا هم حذرون فقال لأصحابه أرى القوم حذرين إن لهم لشأنا ولقد أنذروا علينا فكمن في الجبل يطلب غفلتهم فأصابه وأصحابه عطش شديد فقال ابن عاصية لأصحابه هل فيكم من يرتوي لأصحابه فقال أصحابه نخاف القوم وأبى أحد منهم أن يجيبه إلى ذلك قال فخرج على فرس له ومعه قربته وقد وضعت هذيل على الماء رجلا منهم رصدا وعلموا أنهم لا بد لهم من أن يردوا الماء فمر بهم عمرو بن عاصية وقد كمن له شيخ وفتيان من هذيل فلما نظروا إليه هم الفتيان أن يثاوراه فقال الشيخ مهلا فإنه لم يركما فكفا فانتهى ابن عاصية إلى البئر فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا والآخرون يرمقونه من حيث لا يراهم فوثب نحو قربته فأخذها ثم دخل البئر فطفق يملأ القربة ويشرب وأقبل الفتيان والشيخ معهما حتى أشرفوا عليه وهو في البئر فرفع رأسه فأبصر القوم فقالوا قد أخزاك الله يابن عاصية وأمكن منك قال ورمى الشيخ بسهم فأصاب أخمصه فأنفذه فصرعه وشغل الفتيان بنزع السهم من قدم الشيخ ووثب ابن عاصية من البئر شدا نحو أصحابه وأدركه الفتيان قبل وصوله فأسراه فقال لهما حين أخذاه أروياني من الماء ثم اصنعا ما بدا لكما فلم يسقياه وتعاوراه بأسيافهما حتى قتلاه فقالت أخت عمرو بن عاصية ترثي أخاها .
( يا لَهْفَ نَفْسِيَ يوماً ضَلَّةً جَزَعاً ... على ابن عاصيةَ المقتولِ بالوادي ) .
( إذ جاء ينفُض عن أصحابه طَفَلاً ... مَشْيَ السَّبَنْتَى أمام الأَيكة العادي )