ثم قال له يا غلام إنك لولا ما سبق من قول الحكماء مما جعلوا به السبيل لمثلي إلى مثلك في قولهم لا ينبغي لأحد أن يكبر عن أن يسأل كما أنه لا ينبغي لأحد أن يصغر عن أن يقول لما أنبت إلى مخاطبتك ولا انشرح صدري لمحادثتك لكنه سبب الإخاء وعقد المودة ومحلك من قلبي محل الروح من جسد الجبان فقال له الغلام وهو لا يعرفه لئن قلت ذلك أيها الرجل لقد قال أستاذنا إبراهيم النظام الطبائع تجاذب ما شاكلها بالمجانسة وتميل إلى ما قاربها بالموافقة وكياني مائل إلى كيانك بكليتي ولو كان الذي انطوى عليه عرضا لم أعتد به ودا ولكنه جوهر جسمي فبقاؤه ببقاء النفس وعدمه بعدمها وأقول كما قال الهذلي .
( فتَيَقَّنِي أنْ قد كَلِفتُ بكم ... ثم افْعَلِي ما شئتِ عن علمِ ) .
فقال له النظام إنما كلمتك بما سمعت وأنت عندي غلام مستحسن ولو علمت أن محلك مثل محل معمر وطبقته في الجدل لما تعرضت لك قال أبو الحسن ومن هذا أخذ أبو دلف قوله .
( أُحِبُّكِ يا جِنانُ وأنتِ منِّي ... محلَّ الرُّوح من جسد الجبانِ ) .
ومن جيد شعره وله فيه صنعة قوله .
صوت .
( في كل يومٍ أَرَى بيضاءَ طالعةً ... كأنَّما أُنبِتتْ في ناظر البَصَرِ ) .
( لئن قَصَصْتُكِ بالمِقْراضِ عن بَصَرِي ... لَمَا قطعتُكِ عن هَمِّي وعن فِكَرِي )