فإن لم يتعلم من جريه تعلم من خلقه .
وذكر الهيثم بن عدي وأصحابه في أخبارهم أن جميلا طال مقامه بالشام ثم قدم وبلغ بثينة خبره فراسلته مع بعض نساء الحي تذكر شوقها إليه ووجدها به وطلبها للحيلة في لقائه وواعدته لموضع يلتقيان فيه فسار إليها وحدثها طويلا وأخبرها خبره بعدها وقد كان أهلها رصدوها فلما فقدوها تبعها أبوها وأخوها حتى هجما عليهما فوثب جميل فانتضى سيفه وشد عليهما فاتقياه بالهرب وناشدته بثينة الله إلا انصرف وقالت له إن أقمت فضحتني ولعل الحي أن يلحقوك فأبى وقال أنا مقيم وامضي أنت وليصنعوا ما أحبوا فلم تزل تناشده حتى انصرف وقال في ذلك وقد هجرته وانقطع التلاقي بينهما مدة .
( ألم تَسْألِ الربعَ الخَلاَء فينطقُ ... وهل تُخبِرنْكَ اليومَ بَيْدَاءُ سَمْلَقُ ) .
( وقفتُ بها حتى تجلَّتْ عَمَايتي ... وملَّ الوقوفَ الأرْحَبِيُّ المنوَّق ) .
( تَعَزَّ وإن كانت عليك كريمةً ... لعلَّك من رِقٍّ لبَثْنَةَ تَعْتِقُ ) .
( لعَمْرُكُم إن البِعاد لشائقي ... وبعضُ بعاد البَيْنِ والنأي أَشْوَقُ ) .
( لعلَّكَ محزونٌ ومُبْدٍ صَبابة ... ومُظْهِرُ شكوى من أُناسٍ تفرَّقوا ) .
( وبيضٍ غَريراتٍ تُثَنِّي خُصورَها ... إذا قُمْنَ أعجازٌ ثِقَال وأسْؤُقُ ) .
( غَرائرَ لم يَلْقَيْنَ بؤسَ معيشةٍ ... يُجنّ بهنّ الناظر المتنوِّقُ .
( وغَلْغَلْتُ من وَجْدٍ إليهنَّ بعدما ... سَرَيْتُ وأحْشائي من الخوف تَخفِقُ )