بعض المتحدثات من نواحي مكة وكانت ليلة مقمرة فاشتقت إليهن وإلى مجالستهن وإلى حديثهن وخفت على نفسي لجناية كنت أطالب بها وكان عمر مهيبا معظما لا يقدم عليه سلطان ولا غيره وكان مني قريبا فأتيته فقلت له إن فلانة وفلانة وفلانة حتى سميتهن كلهن قد بعثنني وهن يقرأن عليك السلام وقلن تشوقن إليك في ليلتنا هذه لصوت أنشدناه فويسقك الغريض وكان الغريض يغني هذا الصوت فيجيده وكان ابن أبي ربيعة به معجبا وكان كثيرا ما يسأل الغريض أن يغنيه وهو قوله .
( أَمْسى بأسماءَ هذا القلبُ مَعْمودَا ... إذا أقول صَحا يعتاده عِيدَا ) .
( كأنّ أحورَ من غِزّلان ذي نفر ... أَهْدي لها شَبَه العينين والجِيدا ) .
( قامت تراءَى وقد جدّ الرحيلُ بنا ... لتنكأَ القرح من قلب قد اصطيدا ) ( .
كأنني يومَ أمسي لا تكلّمني ... ذو بِغْية يبتغي ما ليس مَوْجودا ) .
( أجري على موعد منها فتُخلفني ... فما أَمَلُّ وما تُوفي المواعيدا ) .
( قد طال مَطْلي لوَ أنّ اليأسَ يَنْفعني ... أَوْ أن أُصادِفَ من تِلْقائها جُودا ) .
( فليس تَبْذُل لي عفواً وأُكرمُها ... من أن ترى عندنا في الحرص تشديدا ) .
فلما أخبرته الخبر قال لقد أزعجتني في وقت كانت الدعة أحب فيه إلي ولكن صوت الغريض وحديث النسوة ليس له مترك ولا عنه محيص .
فدعا بثيابه فلبسها وقال امض فمضينا نمشي العجل حتى قربنا منهن فقال لي عمر خفض عليك مشيك ففعلت حتى وقفنا عليهن وهن في أطيب حديث وأحسن مجلس فسلمنا فتهيبننا وتخفرن منا .
فقال الغريض لا عليكن هذا ابن أبي ربيعة والحارث بن خالد جاءا متشوقين إلى حديثكن وغنائي .
فقالت فلانة