يعمل قال يشرب فمضيت إليه فإذا هو جالس قد عصب ضربته وتقلنس بقلنسوة فقلت له سبحان الله أيها الأمير ما حملك على لبس هذا قال التبرم بغيره ثم قال غن .
( إنّي لأَكْني بأَجْبال عن اجْبُلها ... ) .
قال فغنيته إياه فقال أحسنت والله أعد فأعدت وهو يشرب حتى صلى العتمة وأنا أغنيه فأقبل على خادم له بالحضرة وقال له كم عندك قال مقدار سبعين ألف درهم قال تحمل معه .
فلما خرجت من عنده تبعني جماعة من الغلمان يسألونني فوزعت المال بينهم فرفع الخبر إليه فأغضبه ولم يوجه إلي ثلاثا فجلست ليلا وتناولت الدواة والقرطاس فقلت .
( علَّمني جُودُك السّماحَ فما ... أبقيتُ شيئاً لديّ من صِلَتِكْ ) .
( لم أُبق شيئاً إلاّ سمحتُ به ... كأنّ لي قُدرةً كمقدرتك ) .
( تُتِلف في اليوم بالهباتِ وفي السّاعة ما تجتنيه في سَنتك ) .
( فلستُ أدري من أين تُنفق لو ... لا أنّ ربّي يَجزي على صِلتك ) .
فلما كان في اليوم الرابع بعث إلي فصرت إليه ودخلت عليه فسلمت فرفع بصره إلي وقال اسقوه رطلا فسقيته وأمر لي بآخر وآخر فشربت ثلاثا ثم قال لي غن .
( إني لأكني بأجبال عن اجبلها ... ) .
فغنيته ثم أتبعته بالأبيات التي قلتها وقد كنت غنيت فيها لحنا في طريقة الصوت فقال ادن فدنوت وقال اجلس فجلست فاستعاد الصوت الذي صنعته فأعدته .
فلما فهمه وعرف معنى الشعر قال لخادم له أحضرني فلانا فأحضره فقال كم قبلك من مال الضياع قال ثمانمائة