فازداد غيظي وقلت ما رضي بما فعله من دخوله علي بغير إذن واقتراحه أن أغنيه حتى سماني ولم يكنني ولم يجمل مخاطبتي .
ثم قال هل لك أن تزيدنا فتذممت فأخذت العود فغنيت فقال أجدت يا أبا إسحاق فأتم حتى نكافئك ونغنيك فأخذت العود وتغنيت وتحفظت وقمت بما غنيته إياه قياما تاما ما تحفظت مثله ولا قمت بغناء كما قمت به له بين يدي خليفة قط ولا غيره لقوله لي أكافئك فطرب وقال أحسنت يا سيدي ثم قال أتأذن لعبدك بالغناء فقلت شأنك واستضعفت عقله في أن يغنيني بحضرتي بعد ما سمعه مني فأخذ العود وجسه وحبسه فوالله لخلته ينطق بلسان عربي لحسن ما سمعته من صوته ثم تغنى .
صوت .
( ولي كَبِدٌ مقروحةٌ مَنْ يبيعني ... بها كبِداً ليستْ بذات قُروح ) .
( أباها عليّ الناسُ لا يشترونها ... ومَنْ يشتري ذا عِلَّةٍ بصحيح ) .
( أئِنّ من الشوق الذي في جوانبي ... أنينَ غَصيصٍ بالشراب جَريح ) .
قال إبراهيم فوالله لقد ظننت الحيطان والأبواب وكل ما في البيت يجيبه ويغني معه من حسن غنائه حتى خلت والله أني أسمع أعضائي وثيابي تجاوبه وبقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام ولا الجواب ولا الحركة لما خالط قلبي ثم غنى .
صوت .
( ألا يا حماماتِ اللِّوَى عُدْنَ عَوْدةً ... فإنّي إلى أصواتكنّ حزينُ ) .
( فعُدْنَ فلما عُدْنَ كِدْنّ يُمِتْنَنِي ... وكدتُ بأسراري لهنّ أُبين )