فغنيته إياه .
وما زال يقترح علي كل صوت غني به في شعره فأغنيه ويشرب ويبكي حتى صار العتمة .
فقال أحب أن تصبر حتى ترى ما أصنع فجلست .
فأمر ابنه وغلامه فكسرا كل ما بين أيدنا من النبيذ وآلته والملاهي ثم أمر بإخراج كل ما في بيته من النبيذ وآلته فأخرج جميعه فما زال يكسره ويصب النبيذ وهو يبكي حتى لم يبق من ذلك شيء ثم نزع ثيابه واغتسل ثم لبس ثيابا بيضا من صوف ثم عانقني وبكى ثم قال السلام عليك يا حبيبي وفرحي من الناس كلهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده وجعل يبكي وقال هذا آخر عهدي بك في حال تعاشر أهل الدنيا فظننت أنها بعض حماقاته فانصرفت وما لقيته زمانا ثم تشوقته فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت فإذا هو قد أخذ قوصرتين وثقب إحداهما وأدخل رأسه ويديه فيها وأقامها مقام القميص وثقب الأخرى وأخرج رجليه منها وأقامها مقام السراويل .
فلما رأيته نسيت كل ما كان عندي من الغم عليه والوحشة لعشرته وضحكت والله ضحكا ما ضحكت مثله قط .
فقال من أي شيء تضحك فقلت أسخن الله عينك هذا أي شيء هو من بلغك عنه أنه فعل مثل هذا من الأنبياء والزهاد والصحابة والمجانين إنزع عنك هذا يا سخين العين فكأنه استحيا مني .
ثم بلغني أنه جلس حجاما فجهدت أن أراه بتلك الحال فلم أره .
ثم مرض فبلغني أنه اشتهى أن أغنيه فأتيته عائدا فخرج إلي رسوله يقول إن دخلت إلي جددت لي حزنا وتاقت نفسي من سماعك إلى ما قد غلبتها عليه وأن أستودعك الله وأعتذر إليك من ترك الإلتقاء ثم كان آخر عهدي به .
حدثني جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال .
قيل لأبي العتاهية عند الموت ما تشتهي فقال أشتهي أن يجيء مخارق