الرقة حفر لهما حفيرة واسعة وقطع بينهما بحائط وقال كونا بهذا المكان لا تخرجا منه حتى تشعر أنت ويغني هذا .
فصبرا على ذلك برهة .
وكان الرشيد يشرب ذات يوم وجعفر بن يحيى معه فغنت جارية صوتا فاستحسناه وطربا عليه طربا شديدا وكان بيتا واحدا .
فقال الرشيد ما كان أحوجه إلى بيت ثان ليطول الغناء فيه فنستمتع مدة طويلة به فقال له جعفر قد أصبته .
قال من أين قال تبعث إلى أبي العتاهية فيلحقة به لقدرته على الشعر وسرعته .
قال هو أنكد من ذلك لا يجيبنا وهو محبوس ونحن في نعيم وطرب .
قال بلى فاكتب إليه حتى تعلم صحة ما قلت لك .
فكتب إليه بالقصة وقال ألحق لنا بالبيت بيتا ثانيا .
فكتب إليه أبو العتاهية .
( شُغِل المسكينُ عن تلك المِحَنْ ... فارقَ الرُّوحَ وأَخلَى من بدن ) .
( ولقد كُلِّفتُ أمراً عَجباً ... أَسْأَلُ التَّفريحَ من بيت الحَزَنْ ) .
فلما وصلت قال الرشيد قد عرفتك أنه لا يفعل .
قال فتخرجه حتى يفعل .
قال لا حتى يشعر فقد حلفت .
فأقام أياما لا يفعل .
قال ثم قال أبو العتاهية لإبراهيم إلى كم هذا نلاج الخلفاء هلم أقل شعرا وتغن فيه .
فقال أبو العتاهية .
( بأبي مَنْ كان في قلبي له ... مرّةً حُبٌّ قليلٌ فسُرِقْ ) .
( يا بني العبّاس فيكم مَلِكٌ ... شُعَبُ الإِحسان منه تفترقْ ) .
( إنّما هارونُ خيرٌ كلُّه ... مات كلّ الشرّمُذْ يوم خُلِقْ ) .
وغنى فيه إبراهيم .
فدعا بهما الرشيد فأنشده أبو العتاهية وغناه إبراهيم فأعطى كل واحد منهما مائة ألف درهم ومائة ثوب