ذلك فقال رأيت قدامه خبزا يابسا من رقاق فطير وقدحا فيه لبن حليب فكان يأخذ القطعة من الخبز فيغمسها من اللبن ويخرجها ولم تتعلق منه بقليل ولا كثير فقلت له كأنك اشتهيت أن تتأدم بلا شيء وما رأيت أحدا قبلك تأدم بلا شيء .
قال الجاحظ وزعم لي بعض أصحابنا قال دخلت على أبي العتاهية في بعض المتنزهات وقد دعا عياشا صاحب الجسر وتهيأ له بطعام وقال لغلامه إذا وضعت قدامهم الغداء فقدم إلي ثريدة بخل وزيت .
فدخلت عليه .
وإذا هو يأكل منها أكل متكمش غير منكر لشيء .
فدعاني فمددت يدي معه فإذا بثريدة بخل بزر بدلا من الزيت .
فقلت له أتدري ما تأكل قال نعم ثريدة بخل وبزر .
فقلت ما دعاك إلى هذا قال غلط الغلام بين دبة الزيت ودبة البزر فلما جاءني كرهت التجبر وقلت دهن كدهن فأكلت وما أنكرت شيئا .
أخبرني يحيى بن علي قال حدثني علي بن مهدي قال حدثنا عبد الله بن عطية الكوفي قال حدثنا محمد بن عيسى الخزيمي وكان جار أبي العتاهية قال .
كان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى ضعيف سيئ الحال متجمل عليه ثياب فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار فيقول أبو العتاهية اللهم أغنه عما هو بسبيله شيخ ضعيف سيئ الحال عليه ثياب متجمل اللهم أغنه إصنع له بارك فيه .
فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحوا من عشرين سنة .
ووالله إن تصدق عليه بدرهم ولا دانق قط وما زاد على الدعاء شيئا .
فقلت له يوما يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ وتزعم أنه فقير مقل فلم لا تتصدق عليه بشيء فقال أخشى أن يعتاد الصدقة والصدقة أخر كسب العبد وإن في الدعاء لخيرا كثيرا