قيل : علَّة ذلك أن الأسماء المضمَرة إنما رُغِب فيها وفُزِع إليها طلبا للخفّة بها بعد زوال الشكّ بمكانها . وذلك أنك لو قلت : زيد ضرب زيدا فجئت بعائِدِه مظهرا مثله لكان في ذلك إلباس واستثقال .
أما الإلباس فلأنك إذا قلت : زيد ضربت زيدا لم تأمن أن يُظن أن زيدا لثاني غير الأوّل وأن عائد الأوّل متوقَّع مترقَّب . فإذا قلت : زيد ضربته عُلِم بالمضمر أن الضرب إنما وقع بزيد المذكور لا محالة وزال تعلّق القلب لأجله وسببه . وإنما كان كذلك لأن المظهَر يُرْتَجل فلو قلت : زيد ضربت زيدا لجاز أن يُتوقع تمام الكلام وأن يظن أن الثاني غير الأوُّل كما تقول : زيد ضربت عمرا فيتوقّع أن تقول : في داره أو معه أو لأجله . فإذا قلت زيد ضربته قطعت بالضمير سبب الإشكال من حيث كان المظهَر يُرتَجل والمضمر تابع غير مرتجل في أكثر اللغة .
فهذا وجه كراهية الإشكال .
وأمّا وجه الاستخفاف فلأنك إذا قلت : العَبيَثْرَان شمعته فجعلت موضع التِسعة واحدا كان أمثل من أن تعيد التسعة كلها فتقول : العبيثران شممتَ العبيثران . نعم وينضاف إلى الطول قبحُ التكرار المملول . وكذلك ما تحته من العدد الثمانيّ والسباعيّ فما تحتهما هو على كل حال أكثر من الواحد .
فلمَّا كان الأمر الباعث عليه والسبب المقتاد إليه إنما هو طلب الخفّة به كان المتصل منه آثر في نفوسهم وأقرب رُحْما عندهم حتى إنهم متى قدروا عليه لم يأتوا بالمنفصل مكانه