استعان لنَفسه بِبُحَّة الحاء واستروح إلى مُسْكة النفْس بها وعَلَّلَها بالصُوَيت اللاحق ( لها في الوقف ) ونحن مع هذا نعلم أن هذا الأعرابيّ لا يعلم أن في الكلام شيئا يقال له حاء فضلا عن أن يعلم أنها من الحروف المهموسة وأن الصوت يلحقها في حال سكونها والوقِف عليها ما لا يلحقها في حال حركتها أو إدراجها في حال سكونها في نحو بحر ودحر إلا أنه وإن لم يحسن شيئا من هذه الأوصاف صنعة ولا علما فإنه يجدها طبعا ووَهْما . فكذلك الآخر : لمّا سمع مَلَكا وطال ذلِك عليه أحسّ من مَلَك في اللفظ ما يحسّه مِن حَلَك . فكما أنه يقال : أسود حالِك قال هنا من لفظة ملك : مالِك وإن لم يَدْرِ أن مثال ملك فَعَل أو مَفَل ولا أن مالكا هنا فاعِل أو مافِل . ولو بُني من ملك على حقيقة الصنعة فاعِل لقيل : لائك كبائك وحائك .
وإنما مكّنت القول في هذا الموضع ليقوى في نفسه قوّة حِسّ هؤلاءِ القوم وأنهم قد يلاحظون بالمُنّة والطباع ما لا نلاحظه نحن عن طول المباحثة والسماع . فتأمّله فإن الحاجة إلى مثله ظاهرة