ومثله : لمّا شكرني زرته ولمّا استكفاني كفيتُه وزرته إذا أستزارني وأثنيت عليه حين أعطاني وإذا أتتيته رحب بي وكلما استنصرته نصرني ( أي كلّ وقت استنصره فيه ينصرني ) وإنما ينصرك فيما بعد زمان الاستنصار . ويؤكّد عندك حالَ إتباع الثاني للأوّل وأنه ليس معه في وقته دخولُ الفاء في هذا النحو من الكلام كقولك : إذا سألته فإنه يعطيني وإذا لقِيته فإنه يَبشّ بي . فدخول الفاء هنا أوّل دليل على التعقيب وأن الفعلين لم يقعا معا في زمان واحد . وقد ذكرنا هذا ليزداد القول به وضوحا وإن كان ما مضى كافيا .
ولمّا اطّرد هذا في كلامهم وكثر على ألسنتهم وفي استعمالهم تجاوزه واتّسعوا فيه إلى ما تناءت حالاه وتفاوت زماناه . وذلك كأن يقول رجل بمصر في رجل آخر بخراسان : لمّا ساءت حاله حسَّنتها ولمّا اختلّت معيشته عمرتها . ولعله أن يكون بين هاتين الحالين السَنة والسنتان .
فإن قلت فلعل هذا مما اكتُفي فيه بذكر السبب - وهو الاختلال - من ذكر المسبَّب عنه وهو المعرفة بذلك فيصير كأنه قال : لما عرفت اختلال حاله عمرتها .
قيل : لو كان الأمر على ذلك لما عَدَوْتَ ما كنا عليه ألا ترى أنه قد يعرف ذلك مِن حال صاحبه وهو معه في بلد واحد ( بل منزل واحد ) فيكون بين المعرفة بذلك والتغير له الشهر والشهران والأكثر . فكيف بمن بينه وبينه الشُقّة