من ربك بالحق ) فأخبر سبحانه أنه منزل من الله ولم يخبر عن شىء أنه منزل من الله إلا كلامه بخلاف نزول الملائكة والمطر والحديد وغير ذلك .
ولهذا كان القول المشهور عن السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فإن من قال أنه مخلوق يقول أنه خلق فى بعض المخلوقات القائمة بنفسها فمن ذلك المخلوق نزل وبدأ لم ينزل من الله فاخبار الله تعالى أنه منزل من الله يناقض أن يكون قد نزل من غير الله ولهذا فسر الامام أحمد قوله ( منه بدأ ( أي هو المتكلم به وقال أحمد كلام الله من الله ليس ببائن عنه و ( أيضا ( فلو كان مخلوقا فى غيره لم يكن كلامه بل كان يكون كلاما لذلك المخلوق فيه وكذلك سائر ما وصف به نفسه من الارادة والمحبة والمشيئة والرضى والغضب والمقت وغير ذلك من الأمور لو كان مخلوقا فى غيره لم يكن الرب تعالى متصفا به بل كان يكون صفة لذلك المحل فان المعنى إذا قام بمحل كان صفة لذلك المحل ولم يكن صفة لغيره فيمتنع أن يكون المخلوق أو الخالق موصوفا بصفة موجوة قائمة بغيره لأن ذلك فطرى فما وصف به نفسه من الأفعال اللازمة يمتنع أن يوصف الموصوف بأمر لم يقم به وهذا مبسوط فى مواضع أخر