.
والنوع الثالث أن تكون الحكمة ناشئة من نفس الأمر وليس في الفعل ألبتة مصلحة لكن المقصود ابتلاء العبد هل يطيع أو يعصي فإذا اعتقد الوجوب وعزم على الفعل حصل المقصود بالأمر فينسخ حينئذ كما جرى للخليل في قصة الذبح فإنه لم يكن الذبح مصلحة ولا كان هو مطلوب الرب في نفس الأمر بل كان مراد الرب ابتلاء إبراهيم ليقدم طاعة ربه ومحبته على محبة الولد ولا يبقى في قلبه التفات إلى غير الله فإنه كان يحب الولد محبة شديدة وكان قد سأل الله أن يهبه إياه وهو خليل الله فأراد تعالى تكميل خلته لله بأن لا يبقى في قلبه ما يزاحم به محبة ربه ( ^ فلما أسلما و تله للجبين و ناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين ^ ( و مثل هذا الحديث الذي في صحيح البخاري حديث أبرص و أقرع و أعمى كان المقصود إبتلاءهم لا نفس الفعل و هذا الوجه و الذي قبله مما خفى على المعتزلة فلم يعرفوا و جه الحكمة الناشئة من الأمر و لا من المأمور لتعلق الأمر به بل لم يعرفوا إلا الأول و الذين أنكروا الحكمة عندهم الجميع سواء لا يعتبرون حكمة و لا تخصيص فعل بأمر و لا غير ذلك كما قد عرف من أصلهم .
.
ثم إن كثيرا من هؤلاء و هؤلاء يتكلمون فى تفسير القرآن و الحديث و الفقه فيبنون على تلك الأصول التى لهم و لا يعرف حقائق أقوالهم