كثير وتمام هذا أني لم أجدهم تنازعوا إلا في قوله تعالى ! < يوم يكشف عن ساق > ! فروي عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيين ولا ريب أن ظاهر القرآن يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال ! < يوم يكشف عن ساق > ! نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر ومثل هذا ليس بتأويل إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف ولكن كثيرا من هؤلاء يجعلون اللفظ على ما ليس مدلولا له ثم يريدون صرفه عنه ويجعلون هذا تأويلا وهذا خطأ من وجهين كما قدمنا غير مرة .
وأما قوله لو كان نورا حقيقة كما تقوله المشبهة لوجب أن يكون الضياء ليلا ونهارا على الدوام فنحن نقول بموجب ما ذكره من هذا القول فإن المشبهة يقولون إنه نور كالشمس والله تعالى ليس كمثله شيء فإنه ليس كشيء من الأنوار كما أن ذاته ليست كشيء من الذوات لكن ما ذكره له حجة عليهم فإنه يمكن أن يكون نورا يحجبه عن خلقه كما قال في الحديث حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
لكن غلط هنا في النقل وهو إضافة هذا القول إلى المشبهة فإن هذا من أقوال الجهمية المعطلة أيضا كالمريسي فإنه كان يقول إنه نور وهو كبير الجهمية وإن كان قصده بالمشبهة من أثبت أن الله نور حقيقة فالمثبتة للصفات كلهم عنده مشبهة وهذه لغة الجهمية المحضة يسمون كل من أثبت الصفات مشبها فقد قدمنا أن ابن كلاب والأشعري وغيرهما ذكرا أن نفي كونه نورا في نفسه هو قول الجهمية والمعتزلة وأنهما أثبتا أنه نور وقررا ذلك هما وأكابر أصحابهما فكيف بأهل الحديث وأئمة السنة وأول هؤلاء المؤمنين بالله وبأسمائه