فوشِّحْ لِما أمّلتُه ظهرَ مِدحتي ... بتوقيعكَ العالي وها هي في يدي .
وكم حاسدٍ لمّا رآني أعارني ... صُدوداً فلم أحفل ولم أتبلّد .
ولم يَنْهَني أنْ غضَّ عني طرفُه ... كأني قدىً في عينه بعد إثْمِدِ .
ابن أخيه أبو الفضل بن أبي منصور القُمَّيُّ .
وهو مجد الملك . ريحانة الظراف ولهزِةِ الشباب فيه أثر النسيم في القُضُب اللطاف . وله شعرٌ حسن كوجهه وفضلٌ يضعف الوصف عن بُلوغ كُنْهه . وليس يحضُرُني من شعره إلاّ ما مدح به الصاحبَ نظام الملك حرس الله مُهجته على باب قِنَّسرين رجبَ سنة ثلاث وستين وأربعمائة : .
ماذا على طَيفِ الكَرى لو عادا ... دَنَفاً تناهى سُقمُه وتمادى .
فنهايةُ المأمول منه لِمامةٌ ... لو كان في إلمامه مُنْقادا .
أبداً أضُمُّ جفونَ عَيني عَلَّهْ ... يأْوي إلى إنسانه معتادا .
فيقرَّ قلبٌ ليس يهدأ ساعةً ... وينامَ طرفٌ لا يذوقُ رُقادا .
هيهاتَ ليس يزور طيفٌ مُقلةً ... ألِفتْ سُكوبَ مدامعٍ وسُهادا .
يا راحةَ الأرواح أنصِفْ مرةً ... فلقد بلغتَ بظُلمك الآمادا .
أوَ ما ترى فصلَ الربيع وقد غدا ... أشهى الأوان إلى القُلوي مُرادا .
والأرضُ من خِلَعِ الغَمام تدرّعتْ ... حُللاً تعمُّ تَهائماً ونِجادا .
وتلفّعتْ صُلْعُ الأباطح والرُّبا ... من مونِقِ العُشب الأثيث بِجادا .
فتظنُّ أنفاسَ الشمال مريضةً ... والطيرَ حول وسادها عُوّادا .
ومنهل في صفة القلم : .
وشَباةِ ممشوق القَوام مُهَفْهَفٍ ... فلَّتْ مذرَّبة الشِّفار حِدادا .
إنْ سلَّهْ من غِمدِ مَقلمةٍ غَدا ... صِلاَّ يمجُّ من اللَّهاة مِدادا .
أَرْيٌ لمن أبدى خُلوصَ ولائه ... ونَقيعَ سُمٍّ للمُريد عِنادا .
وإذا مشى بين الثلاث لكِتْبةٍ ... أبصرْتَ منه فضائلاً آحادا .
خَطٌّ يروقُ رواؤه فكأنما ... نَشرتْ أنامله بها أبرادا .
أبو طاهر زيد بن عبد الوهّاب الأصفهاني .
أنشدني الأديب يعقوب بن أحمد النيسابوري له : .
فلو مُتُّم بني عَمْرٍو ... فما قومٌ يُوازيكُمْ .
أرى أكفانكم تَبلى ... وما تبلى مَخازيكم .
وأنشدني أيضاً له : .
إنّ الزمان لمظلمٌ ما ليلُهُ ... ليلاً يُضيءُ الصبح فيها مسفِرا .
قالوا : خفيتَ فقلت : حاشا بل أنا ... شمسٌ وإنّ الشمس ليلاً لا تُرى .
وأنشدني له أيضاً : .
أتيتُكَ بالقريض ولم أوفّقْ ... كصادٍ ظلَّ يستسقي الجَهاما .
حَلبْتُ فكنتَ ضَرعاً بكيّاً ... هززت فكنتَ لي سيفاً كَهاما .
وقد نقلت هذه الأبيات من خطّ يده وقالها في الشيخ الإمام الموفّق : .
دَعي العذْلَ لا أبغي سوى العزِّ منزلا ... وحُلّي عِقالَ العيس تمرحُ في الفَلا .
تجرُّ على البَيداء والفجرُ صادقٌ ... مُروطَ الأماني حين خبَّ وأرقَلا .
إذا ما حدتْ بالركب في كل نَفْنَفٍ ... رأيتُ نَعاماً بالفَلا متجفِّلا .
ومناه يصف فرساً : .
وتَنقشُ أخفافُ المَطايا إذا خَدَتْ ... بحافر طِرْفٍ ظُنَّ في الركض أجدلا .
أغرَّ تلوحُ الشمسُ فوق جبينه ... ترى بين لِبْدَيْه ربيعاً وجَنْدلا .
أي مَتْنُه مبتلٌّ كالربيع وقوائمه صُلبةٌ كالحجر : .
يمزِّقُ جلباب الظلام بكوكب ... يخال ذُبالاً بين عينيه مُشعلا .
طِمِرٍّ أبي أن يرْتَعي العشب في الطوى ... ولم يُغْلِ للأضياف في الحَيّ مرْجلا .
حليفُ السُّرى لم يألف الدهرَ مربِطاً ... ولم يُلقِ فوقَ الأرض سَرجاً ومِسْحلا .
تعوّدَ ردَّ الطَّعنِ حتى كأنّه ... يُديرُ على قدْر الأسنّة مُنْصُلا