فتحييّه بالسّلام عليه ... ويرد الجواب كالنّخّار .
الأديب شريح بن أحمد السّجزيّ .
أنجبت به ولاية " نيم روز " فسار ذكره وطار وملأ الأقطاب والأقطار . فكم من أدبٍ أفاد وشرح به كاسمه الفؤاد . وكان في الشّعر قصير النّفس ولم يكن يظفر به الرّواة إلاّ في الخلس . " فممّا أنشدوني " له بهراة قوله في العبد لكانيّ الزّوزنيّ : .
عبدٌ لكانينا محلّىّ ... بالعلم والجانب العفيف .
مكحّل العين زوزنيّ ... مذهبه مذهب المضييف .
وقوله في الزّهد : .
قد طال في الذّنب عمري ... وما ارعويت فويحي .
وفاض دمعي بسيلٍ ... وجاد طرفي بسيح .
وقد عدمت صريح الت ... قى فجيت بضيح .
وليس يجدي صراخي ... وليس ينفع صيحي .
فمنّ يا ربّ واشرح ... بالعفو صدر شريح .
أبو إسحاق بن صالح الورّاق .
هو تلميذ الشيخ أبي نصرٍ إسماعيل بن حماد الجوهريّ . أنشدني له الأديب يعقوب بن أحمد C وهو أحسن ما " قيل في معنى " دود القزّ : .
وبنات خبتٍ ما انتفعت بعيشها ... " ووأدتها فنفعنني بقبور " .
ثمّ انبعثن عواطلاً فإذا لها ... قرن الكباش إلى جناح طيور .
ومن المعاني المثارة من دود القزّ قول أبي الفتح البستيّ : .
ألم تر أنّ المرء طول حياته ... معنّىً بأمرٍ لا يزال يعالجه .
" تراه " كدود القزّ ينسج دائباً ... ويهلك غمّاً وسط ما هو ناسجه .
" ولأبي إسحاق بن صالحٍ الورّاق يهجو " ابن زكريّا المتكلم الأصفهانيّ : .
أيا أحمدٍ يا أشبه الناس كلّهم ... خلاقاً وخلقاً بالرّجال النواسج .
لعمرك ما طالت بتلك اللّحى لكم ... حياةٌ ولكن بالعقول الكواسج .
ابن برهان النّحويّ .
هو أبو القاسم عبد الواحد بن الحسن بن برهان النّحويّ رأيته ببغداد سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائةٍ شيخاً باذّ الهيئة رثّ الكسوة يمشي وقد شمل العري طرفيه ونظم رأسه وقدميه . وقصدته زائراً ولم أكن عهدته . فإذا أنا في باب المراتب بشيخٍ على ما وصفت فلم أشكّ في أنّه ضالتّي المنشودة وفراسة المؤمن لا تخطئ فاقتفيت أثره إلى مسجدٍ اجتمعت فيه تلامذته ينتظرونه " وكمّه أعجر بأجزاء النّحو " . فدخل عليهم وقاموا إليه واستند في المحراب وتكلّم في العلم الذي لقّب فيه والفنّ الذي عقد بنواصيه والضرّب الذي أحاط به من جميع نواحيه . فقل في القرم الهائج هادراً والبحر المائج زاخراً . وكان في نفسي أن اختلف إليه واغترف ممّا لديه فقامت العوائق تدفع في صدور الأماني والأسفار تسير بي سير السّواني . وما كان عندي أنّ له شعراً تتعاطاه الأفواه وتتهاداه الشّفاه . حتّى نسب إليه أبو الفرج الغندجانيّ هذه الأبيات : .
أحبّتنا بأبي أنتم ... وسقياً لكم أينما كنتم .
اطلتم عذابي بميعادكم ... وقلتم نزور فما زرتم .
فإن لم تجودوا على عبدكم ... فإنّ المعزّى به أنتم .
أبو بكر محمد بن عبد الله الحطّابيّ .
حقٌ للأدب أن يعرّف به و " ينسب إليه لأنّ الحطّابي هو الحاطب في حبله والرائش لنبله والمستمطر لوبله وكان في عصره المدرّس بينسابور تشهد بفضائله المحاضر وتنزف بفوائده المحابر ولم يكن عند أحدٍ من الفضلاء ما عنده من علم حماسة أبي تمّامٍ . وكان C يفتح منها الغلق ويسيغ " ذلك " الشرّق ولم يبلغني من شعره إلاّ ما أفادنيه الأديب يعقوب بن أحمد قال : أنشدني الأديب الحطّابيّ لنفسه : .
لنا صاحبٌ مولعٌ بالمراء ... كثير الزّيارة للأصدقاء .
تشبه خفّته بالأباء ... وتأباه نفسي كلّ الإباء .
يزور فيزورّ عنه الصّديق ... ويؤذي المزور بزور الثّناء .
له خلق خلق الجانبين ... وطبعٌ به طبع الأغبياء .
ونفسٌ تسفّ لأدنى الأمور ... وأدنى المراتب للأدنياء .
وكلّفه لي أخٌ زورتي ... وذاك تقاضٍ لسوء القضاء .
فقال : سألقاه حتّى يملّ ... فقلت : لقد ملّ قبل اللّقاء