أقمن على السّواد وهنّ بيضٌ ... ورحن من البياض على نفار .
كذ الأقمار تؤنسها الليالي ... وتبهرها تباشير النّهار .
وأغرب ما ترينيه اللّيالي ... غرابٌ في قميص الباز طاري .
الأديب أبو القاسم مهديّ بن أحمد .
الخوافيّ .
لو قلت : إنّي لم أر مثله في عصرنا هذا معرفة بأصول الآداب وغوصاً في بحار المعاني الطامية العباب وصحبة لأئمة الصنّاعة الذين هم أسنمة الفضل وكواهله وعندهم " شفاء علل الآذان وفيهم مناهله مثل " محمد بن أبي يوسف الأسفزاريّ والحاج " صلاح " النّبيّ وشريح السّجزيّ وغيرهم ممّن لا أذكره لما نسبت إلى التزّيّد والأشتطاط ولا " وصفت إلا بالتوثّق " والاحتياط . وقد صحبته مقتطفاً من نوّاره ومخترقاً من ثماره ومغترفاً من بحاره . راتعاً في رياض مجموعاته كارعاً في حياض مسموعاته . وكلمّا ازددت منه قرباً ازداد سمعي من فوائده " قرطاً " . وله نثرٌ حسنٌ تدلّك عليه خطبه التّي صدّر بها كتبه أمّا النظم فقلّما يعتاده ولو أراد لكان ميسّراً على لسان إيراده .
فممّا تعلّل به اشتعال الرأس ووهن العظم وكلال الخاطر عن تعاطي النثر والنظم قوله الذّي أنشدنيه لنفسه : .
أبا قاسم عمرك كلّه ... فلا تك مغتراً بما ترجف المنى .
فإنّ أمرأً ناجى الثّمانين عمره ... بعيد نجاة النّفّس من مخلب الفنا .
فوطنّ على التّرحال نفسك ثانياً ... ولا ترج إلاّ مرقد اللّحد موطنا .
وقوله أيضاً : .
يقولون : قد أنفقت عمرك كلّه ... على أدبٍ لم تحظ منه بطائل .
فقلت هم : إذ كان أنسي وزينتي ... وكان الصّيد الكرام وسائلي .
وميزّني عن زمرة الجهل علمه ... فلست أبالي بالحطام المزايل .
أبو الفضل النّوشجانيّ .
هو من علية الأدباء والعارفين بلسان العرب العرباء وإن كان في الشّعر من المقليّن فهو في اللّغة من المستقليّن وإقلالٌ مع استقلالٍ خيرٌ من إكثارٍ مع إهجارٍ . حدثني الأديب أبو القاسم مهديّ بن أحمد الخوافيّ قال : حدّثنا شيخنا محمد بن " أبي " يوسف الأسفزاريّ قال : حملني أبي إلى دار الشيخ أبي عبيدٍ الهرويّ وحطّ رحلي عنده فأضاف جماعةً من الفضلاء وكان يسقيهم ويراضعهم لبان الكاس . فسأل أبا الفضل النوشجانيّ قال : وبلغني أنّك كنت تخدم بعض الأماثل فهل حظيت منه بطائلٍ فقال : لا ولكنّي هجوته بيتين صعتهما فيه وهما : .
إذا ما لم يكن جداوي منكم ... سوى مرقٍ وذا أيضاً بمنّه .
فلست ببائعٍ أدبي بحشوي ... " رؤوسكم كما كانت " أجنّه .
قلت : المصراع الأخير من الظرف في أقصى النّهاية وهو مع ذلك من باب الكفاية في الكناية .
أبو الفتح بن الأشرس .
حدّثني القاضي أبو جعفرٍ " محمد " بن إسحاق البحّاثيّ قال : حدّثني الحاكم أبو سعد بن دوست عن أبي الفتح هذا أنه كان من ناحية الرّخّ وكان يؤدّب بنيسابور ويختلف إلى أبي بكرٍ الخوارزميّ . فلما نزف ما عنده ارتحل إلى مدينة السّلام . قال : فرأيت كتاباً بخطّ يده وقد كتب به إلى بعض أصدقائه وذكر في أثنائه أن ليس اليوم بخراسان من يقوم بكتاب " اختيار الفصيح " لثعلب وألفاظ الكتبة لعبد الرّحمن بن عيسى .
قال الحاكم أبو سعدٍ : وكان الخوارزميّ يومئذٍ حياً يرزق والألسنة بفضله تطلق . وهذان الكتابان من زغب فراخ الكتب . وأنكر معرفة أهل خراسان بهما . فما ظنّك بالقشاعم اللّقمانيّة من أمهاتها وأنشدني القاضي أبو جعفر قال : أنشدني الحاكم أبو سعدٍ قال : أنشدني " أبو الفتح " بن الأشرس لنفسه في أبي الحسين الأهوازيّ يهجوه : .
يا عجباً لشيخنا الأهوازي ... يزهى علينا وهو في هوّاز .
قال القاضي : وأنشدني الحاكم أيضاً قال : أنشدني ابن الأشرس لنفسه : .
كأنّما الأغصان لّما علا ... فروعها قطر النّدى ثراّ .
ولاحت الشمّس عليها ضحى ... زبرجدٌ قد أثمر الدرا