فكم دِلاصِ على البَطحاءِ ساقِطةٍ ... وكم جُمانٍ مع الحَصباءِ مُنتَشِر .
رأَوكَ بالعَينِ فاستَغْوتْهمُ ظِنَنٌ ... ولم يَروك بفكرٍ صادِقِ الخَبر .
والنَّجمُ تستصغِرُ الأبصارُ صُورتَه ... والذَّنبُ للطَّرفِ لا للنَّجمِ في الصِّفر .
والكِبرُ والحَمدُ ضدّانِ اتِّفاقُهما ... مثلُ اتّفاقِ فَتاءِ السِّنِّ والكِبَر .
يَجني تَزايُدُ هذا من تَناقُصِ ذا والليلُ إن طالَ غالَ اليومَ بالقِصَر .
وله أيضاً : .
أسالتْ أتِيِّ الدمع فوقَ أسِيلِ ... ومالتْ لِظلٍّ بالعِراقِ ظَليلِ .
فيا جارةَ البَيتِ المُمنَّعِ جارُهُ ... غَدَوتُ ومَن لي عِندكُمْ بِمَقيل .
لِغيري زكاةٌ من جِمالٍ فإن تكن ... زكاةَ جَمالٍ فالذكُري ابنَ سبيلِ .
وأرسلتِ طيفاَ خانَ لما بَعَثتِهِ ... فلا تَثقي من بَعدِه بِرسول .
خَيالٌ أرانا نفسهُ مُتَجنِّباً ... وقد زارَ مِن صافي الوِدادِ وَصولِ .
نَسيتِ مَكانَ العِقدِ من دَهشِ النّوى ... فعلَّقتِهِ من وَجنةٍ ومَسيلِ .
عليُّ بن محمد الجزري .
وقع من بعض الجزائر إلى باخرز فارتبط فيها للتأديب وبقي بين كبرائها موفور النصيب . وبلغ من الغلو في التشيع مبلغا حقره حتى ادرع الليل وسمر الذيل وسد الأقتاد وطوى البلاد وأقام في مجاورة قبر معاوية بالشام سنة جرداء ببنيانه ويتبرك باستلام أركانه . ووراء املقه ذلك دفين أمر وخلل رماده وميض جمر . ولم يزل ينتهز الفرصة حتى خلا وجهه يوماً من الأيام وانفض عنه بعض من أولئك الأقوام فنفض على القبر عيابه وأسال فوقه مرزابه وألقى به جنينه وخلط بذي بطنه طنه وخرج منها خائفة يترقب قال : رب نجني من القوم الظالمين . وغي هذا المعنى يقول : .
رأيتُ بني الطَّوامثِ والزَّواني ... بمقتٍ ينظرونَ إليّ شَزرا .
لأنِّي بالشآمِ أقَمتُ حَولاً ... على قبرِ ابن هندٍ كنتُ أخرى .
ابن كيغلغ .
لما كان المتنبي في يتيمة الثعالبي مصدراً في العصريين وابن كيغلغ مهجوُّه في الطبقة من أبناء عصره وفي الدرجة من أفراد دهره وعثرت له بهذه الأبيات المليحة علمت أن الثعالبي غفل عنه أو أخل به أو قصر فيه أو لم يهتد له وكأنها ضالة مفقودة وجدتها . فكان فوزي به عظيما وحظي منه جسيماً وهيه الأبيات : .
لَسُكرُ الهوى أروى لعَظمي ومَفصلي ... إذا سكرَ النُّدمانُ من مُسكرِ الخَمر .
وأحسنُ من رَجعِ المَثاني وصوتِها ... تراجعُ صوتِ الثَّغرِ يُقرعُ بالثّغرِ .
قلت : ما أحسن ما كنى عن حكاية صوت القبلة بقرع الثّغر بالثغر .
وللشيخ والدي رحمة الله عليه في معناه ما لا يقصر عنه بل يربي عليه وذلك قوله : .
وذات قمٍ ضِيقاً كَشِفّةِ فُستُقٍ ... تَزقُّ فمي لثُماً كشقِّكَ فُستُقا .
ولي في بعض غزلياتي ما أحسبني لم أسبق إليه : .
واللثمُ أنشأ بالتقاءِ شِفاهِنا ... صَوتاً كما دَحرجتَ في الماء الحَصى .
والغرض من هذه المعاني الثلاثة حكاية صوت التقبيل وإن كانت الجهات متباينة أو الأنحاء متفاوتة والخواطر طرائق قدداً تتناثر من أسلاكها الجواهر بدداً . ولأشجارها أغصان ولثمارها ألوان .
عبد الله بن محمد بن سنان الحلبيُّ .
أنشدني الوزير أبو العلاء محمد بن علي بن حسول بالريِّ في دار الكتب سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة له : .
ألا ناشدٌ فلباَ مُعتى أضعتهُ ... بشرقيِّ نجدٍ لهفَ نَفسي على نجدِ .
إذا ما لَثمنا تُربَهُ قالَ صاحبي : ... أنستافُ ذكرَ الحيِّ أم أرَجَ النَّدَّ .
صاعد بن عيسى بن سمان .
الكاتب الحلبي .
أنشدني الشيخ أبو عامر الجرجاني له : .
أيا جَبلَ الريَّانِ باللهِ هَل لَنا ... على عَجلٍ في ساحَتَيْكَ مَقيلُ .
وهَلْ لعَرانينِ الرِّجالِ إذا انتَشَوا ... إلى نَفَحاتِ الرَّندِ منكَ سَبيل .
وهلْ نَغْبهُ من مائكَ العَذبِ يَرْتوي ... بهِ غُصْنُ عيشٍ قد عَراهُ ذُبولُ