فلست بمداح ولا أنا شاعر ... ولكن لساني بالمودة ينطق .
وله في غلام كله طيب ومولاه طبيب : .
أرى غلام عبيد الله أمرضني ... بصورة حيرت في حسنها القمرا .
قد خالف العبد مولاه بحرفته ... مولى يداوي وعبد يمرض البشرا .
وله في لجوج مسهب يدعي كل شيء ولا يحسنه : .
وكم قائل يهذي ويحسب أنه ... ينظم دراً وهو يلفظ بالبعر .
فقلت له : أمسك لساناً إنما ... كلامك نتف الشعر لا نتف الشعر .
وأنشدني له الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن المختار وهو في غاية الملاحة : .
أقول لمن يراوغني بكيد ... رماك الله مذموماً بمثلك .
سأذهل عنك لا عجزاً ولكن ... ليجزيك الزمان بسوء فعلك .
وأنشدني له أيضاً : .
لحظات عين ضمنها سحر ... وقوام غصن فوقه بدر .
وكأن في الصدر التي وقدت ... من خده وكلاهما جمر .
وضياء وجهك إنه قمر ... وصفاء ثغرك إنه در .
ما نال من قلبي السلو ولم ... يجتز بباب أمانتي غدر .
وله يهجو : .
أستاذنا في صيده أجدل ... يختطف المال ولا يغفل .
قد وعظ الناس ولم يتعظ ... كأنه من بينهم مهمل .
يأوي إلى ميزانه خاشعاً ... يأمر بالبر ولا يفعل .
وله في أحداث زوزن وراوي الأشعار منهم : .
قالوا : بزوزن أحداث أتوا عجباً ... في الخبث إذ طبعوا من جوهر الخبث .
فقلت : " دردي دن " بل عصارته ... وإنما القوم أحداث من الحدث .
قال الأديب أبو جعفر محمد بن أحمد المختار الزوزني : راجعته في البيتين معاتباً وخشنت له حاشية الكلام مخاطباً . فقال لي مستميلاً بعدما ألقيت عليه قولاً ثقيلاً : أنت بالعراء من بين أحداث الشعراء ومستثنى من أولئك الفريق ومعدول عن ذلك الطريق ومسلول منهم سل الشعر من معجون الدقيق . فقلت أنا : بمثل هذا تخدع آراء المغفلين الأغمار الذين لم يسافروا في مراحل الأعمار ولم يرتضعوا أفاويق التجارب ولا تطلعوا في مرأى العواقب وكذا يقال لأم عامر : خامري وللنفس الخواضة في الغمرات : غامري . وقد غولط هذا الفاضل ولج به اللج حيث خيل إليه الساحل . فهو راتع من هذه الغلطة في الورطة ونازل من الدائرة في مركز النقطة حوالينا هذه النادرة حوالينا والحجة لنا لا علينا .
ذلت نفسه المسكينة وجرت الريح بما لا تشتهي السفينة . والله تعالى أعلم .
الفقيه أبو الحسن البخاري .
خال القاضي أبي جعفر محمد بن إسحاق البحائي وناهيك من خال عن الخير غير خال وفضله على كل حال بالوفور حال . فمما أنشدنيه لنفسه قوله : .
ألا إن الفراق أذاب جسمي ... جزى الله الفراق بمثل فعله .
وغادرني أسيراً مستهاماً ... قتيل حسامه وصريع نبله .
وكتب إلى الحاكم أحمد بن الحسن الخطيب يستزيره : .
لي وللشيخ ناصر يوم خلوه ... ولنا بالخطيب أنس وسلوه .
فحقيق بأن يرانا وشيكاً ... والذي بيننا فديناه غلوه .
ابنه .
أبو جعفر محمد .
أنشدني القاضي أبو جعفر له : .
قد أزف الموت وأهواله ... أهل الخطيات ألا تتقون .
وزهرة الدنيا متاع ألا ... لغيرها فليعمل العاملون .
الأديب أبو القاسم أسعد بن علي البارع .
هو البارع حقاً الوافر من البراعة حظاً . وقد اكتسب الأدب بجده وكده وانتهى من الفضل إلى أقصى حده . ولفتني إليه نسبة الآداب ونظمتني وإياه صحبة الكتاب وهلم جرا إلى الآن . وقد ارتدينا المشيب وخلعنا برد الشباب ذلك القشيب . ولا أكاد أنسى وأنا في الحضر حظي منه في السفر . وقد أخذنا بيننا بأطراف الأحاديث ورسنّا المطايا بأجنحة السير الحثيث حتى صرنا معاً إلى العراق ونزل هو من فضلائه بمنزلة السواد من الأحداق وعنده توقيعاتهم بتبريزه على الأقران وحيازته قصبات الرهان . وأنا على ذلك من الشاهدين لا أكتم من شهادتي دقاً ولا جلاً بل أعقد بها صكاً عليها سجلاً " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " وعازب لبه