عبد الله بن محمد بن يوسف . أدركته وأنا بزوزن سنة سبع وعشرين وأربعمائة شيخاً شاب الظرف يأتي دائماً وهو مكتحل الطرف وقد هم أن يلتقي طرفاه قصراً . وقد كاد يكون من غزارة علمه عالماً مختصراً أملى علي وأنا لا أعرف معنى كلامه لحداثتي : .
يا من هجانا على جهل ليوحشنا ... قابلتنا بسلاح نحن نملكه .
يا بؤس كفك هل تدري وقد كتبت ... هجاءنا أي تنين تحركه .
وكتب إليه والدي على يدي ونحن بزوزن : .
أيها الأستاذ مهلاً ... لست للجفوة أهلا .
جئت من ربعك حزناً ... كان للأضياف سهلا .
لا تغادر سلسبيل القرب بالهجران مهلا .
وأقرني وجهك واجعل نزلي أهلاً وسهلا .
فأجاب عنه : .
أيها الباذخ فرعاً ... أيها الراسخ أصلا .
جاءني الشعر الذي حز ... ت به للسبق خصلا .
خاطري صار عموداً ... وهو وقتاً كان نصلا .
فتفضل وتقبل ... بدل السكر مصلا .
واهجر الكلفة هجرا ... أصل الخدمة وصلا .
وللأستاذ أبي محمد أيضاً : .
إذا كنت متخذاً ضيعةً ... فإياك والشركاء الوجوها .
ودار الملوك فإن الملوك ... " إذا دخلوا قريةً أفسدوها " .
وله أيضاً : .
يا قومنا إلى متى نصيح ... ولا يروج عندنا نصيح .
إن البلاد عرضها فسيح ... وزوزن قد خربت فسيحوا .
وله في الشيخ الرئيس أبي القاسم عبد الحميد بن يحيى : .
إني حلفت يمينا ... بمن أمات وأحيا .
أن الرئيس المرجى ... عبد الحميد بن يحيى .
رأى لزوزن رأياً ... كأنما كان وحيا .
القاضي أبو جعفر محمد بن إسحق البحاثي .
كتبت على ظهر ديوانه فصلاً جمع بين بعض أوصافه وإن كان مشتملاً من الفضل على أضعافه . وفي القليل ما يغني عن الكثير ولا ينبئك مثل خبير .
الفصل : لما تجاوزت عتبة إيوان هذا الديوان أعذت في ذلك ناشر بزها وواشي طرزها القاضي أبا جعفر من عين الكمال راغباً في ذلك إلى الله تعالى بأصدق الآمال . فقد خاض بها لجج البلاغة أتم الخوض وتفنن في أنواعها تفنن الحمراء والصفراء من قطع الروض . إن أجم الجد بالفكاهة في الأحيان فمنحوت من نبعة ابن الحجاج . وإن نشط لمغازلة الغزلان فموصوف بظرف ابن أبي ربيعة في وصف ما تضمنته هوادج الحجاج . وإن استب فأحد الفحلين ؛ جريراً أو الفرزدق وإن كانا من القدماء . وإن دب فالملك الضليل يسمو إلى صاحبته سمو حباب الماء . وإن أطرى فابن ثابت حسان وقصائده في غسان تلك الحسان . وإن رثى ورى زنداً عفاره من المرخ . وأملى النياحة على الحمامة المفجوعة بالفرخ وعلى الجملة ما من بحر ركب سفينة إلا غاص على دره وانتزع دفينه . فلله دره من فاضل يغمر ماطراً ويقمر مخاطراً . فمما قاله في المديح قوله من قصيدة له في الأمير أحمد بن نيالتكين وأنشدنيها لنفسه : .
من يكن يطلب البراز فذا أحمد في سرج طرفه القماص .
وبكفيه خاطب قوله الفصل على منبر الطلى والعناصي .
شغلته العلا بأسمر ذي عشرين عن كل أسمر ذي عقاص .
ومنها وذكر عدوه : .
ليس ينجيه غيضة من شبا جهم لآساد غيلها قناص .
سوف يأتيه بالسيوف تراها ... طائعات على أكف عواص .
وبجيش يجيش نحو الأعادي ... بقلوب على الحتوف حراص .
ونفوس يوم اللقاء رخاص ... وهي بعد اللقاء غير رخاص .
قد أعدوا من قوة ما استطاعوا ... وتواصوا بالصبر أي تواص .
مطعمي أنسر الفلاة لحوماً ... بالمواضي بطانها والخماص .
تاركي رؤوس الأعادي كبيض ... في أداحي النعام بالأدعاص .
وله من أخرى في غيره : .
يرتاح للمجد مهتزاً كمطرد ... مثقف من رماح الخط عسال .
فمرة باسم عن برق ثغر حياً ... وتارةً كاشر عن ناب رئبال .
فما أسامة مطروراً براثنه ... ضخم الجزارة يحمي جيش أشبال .
يوماً بأشجع منه حشو ملحمة ... والحرب تصدم أبطالاً بأبطال