وددت لو أن أمي من تميم ... وأن أبي وعمي من فزاره .
فدونكها لآلئ بحر فكر ... ترفع أن تحيط بها محاره .
إذا أنشدت فارت ريح مسك ... كأني ذابح للمسك فاره .
قلت : وهذا شعر علا الشعرى علواً ولم أرتكب في هذا التقريظ غلواً . وما من ببت منه إلا وهو يساوي بيت ذهب ويمت بنسب إلى جمال الصيغة وكمال الصنعة بنوع سبب .
أبو يعلى الزوزني .
كتب إلى بعض أصدقائه وقد سأله قضيماً لدابته فتأخر عنه : .
رأيت طرفي مسرجاً في المنام ... عليه من عقد اللآلي لجام .
وسرجه من جوهر ناصع ... شد من التبر عليه حزام .
تشرق لي غرته مثلما ... يشرق في الحندس بدر الظلام .
فقلت : من أعطاك ذا كله ... فقال لي : هذا ثواب الصيام .
فقلت : نذر ذاك أم قربة ... فقال : بل عدم ورب الأنام .
لكنما الصبر على الجوع والشدة يا مولاي صعب المرام .
ما كنت أخشى ضيعتي قط في ... جوار هذا الأريحي الهمام .
أصبح لي محلاً ندى كفه ... وهو لكل الناس صوب الغمام .
أقل من تبن فأزجي به ... وقتي من قبل حلول الحمام .
فقلت : لولا شغله لم يكن ... يغفل عنه فأقل الملام .
أبو علي الزرغيلي .
رأس زوزن وعينها وجمالها وزينتها . وقد رأيت خطه فاستدللت بحسنه على أن قلمه كان يحيك مشياً ويحوك وشياً ورويت شعره فدريت سحره . فمن مقطعاته التي هي قطع الرياض قوله : .
أليلة يوم البين ما كنت ليلةً ... ولكن ليال قد خلقن بلا فجر .
فلو كان عمري مثل طولك لم يكن ... لصرف الردى يوماً سبيل إلى عمري .
ولو دام لي ما دمت وصل أحبتي ... لبشرت نفسي بالأمان من الهجر .
وقوله أيضاً : .
أساء الزمان إلي الصنيعا ... وما كان ما ساء منه بديعا .
رماني بأسهم أحداثه ... وما إن لبست لهن الدروعا .
ولو كنت ضاعفت فوق الدروع ... لجزن الدروع ونلن الضلوعا .
أبو بكر اليوسفي .
صاحب التجنيس الأنيس والتطبيق الذي طبق به مفصل الصنعة كل التطبيق . وكان في زمانه نادرةً يملك قلماً جارياً ويداً قادرةً . فاللفظ أري والخط وشي والقول فصل والمذهب عدل . وتوسل إلى الصاحب إسماعيل بن عباد بمذهب الاعتزال وامتطى إلى حضرته بالري ظهور الآمال وأوقر من صلاته الظهور بالأموال . وربحت بحضرته تجارته ولم تخسر في معاملته صفقته . ووقع شعره منه أحسن المواقع ورتبه في مجلسه في أرفع المواضع . وحدثني والدي قال : كان أبو بكر عندنا بباخرز مدة وأحمد جوارنا وصحبتنا . فقال يمدحنا وقصبتنا : .
وردت مالين فألفيتها ... رمانةً حباتها المكرمات .
أصيح من ظرف سجاياهم ... عاش الوفاء المحض والمكرمات .
قال والدي : واتفق أني وردت ملتجئاً إليها من أيدي قوم ذقتهم فعفتهم وفررت منهم لما خفتهم فأقبلوا علي وشكا محطي ثقل وطأة إنزالهم لدي . فقلت فيهم معارضاً لما قال يوسفهم فينا . فإن أيادي أولئك لم تكن تقصر عن أيادينا : .
قد ملئت زوزن من سادة ... لهم نفوس بالعلا عارفات .
ما أغتدي إلا ومن عندهم ... عارفة عندي بل عارفات .
قد بقي الفخر بهم والندى ... والبخل والشؤم مع العارفات .
والأيادي قروض وقضاء القروض مفروض . وأنشدني والدي قال : أنشدنيها لنفسه : .
سقى الله رياً وأروى معاً ... وأروى منازل أروى بها .
بلاد بها كنت أرعى المنى ... وآتي المعيشة من بابها .
وإني لآمل في آمل ... ليالي أحظى بأعتابها .
فيا دهر ساعد على بغيتي ... ويا عمر كن بعض أسبابها .
وأنشدني له أيضاً قال : أنشدني لنفسه من قصيدة طويلة له : .
ليالي ريا كروض الأصيل ... كبدر السماء كماء الفرات .
تبسم عن ضاحك كالمهاة ... وتلحظ عن مثل عين المهاة .
وفي عينها عين ماء الحياء ... وفي فمها عين ماء الحياة