فصل : قلت : إن لنيسابور اثنتي عشرة ناحية وزوزن كما زعموا دارها وهي رحى على الفضل مدارها ولعمري إنها تربة منجبة وروضة برجالها مخصبة وبما ينبت من فضلها وأفضالها معشبة . بلغني أن الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد بن سلمان الصعلوكي اجتاز بها فقال : بلدة قرعاء فقلت : هي كما وصفها قرعاء من مرط النبات تطن طاسات شؤونها . ولكنها فرعاء من ذوائب الحسنات تنتعل فضلات شعورها . سقى الله فلواتها الحص فما فيها إلا فاضل حظ من الفضل وخص وسقي من سلاف الأدب مشعشعة كأن فيها الحص وسيرد عليك من مآثر أخبارهم ومحاسن أشعارهم ما ينغض إليها الرأس ويشرب عليها الكأس وتشغل بروايتها الأنفاس وتنزف بكتبها الأنقاس ويوشى بحلتها القرطاس . ولا أعرف من فضلاء الدنيا من يكتحل بمحاسنهم فلا يغرم بها ولا يغرى ولهذا لقبت زوزن بالبصرة الصغرى .
أبو سعيد الحسن بن إبراهيم .
بن علي الهيثم المعروف بالأسود الزوزني .
أنشدني القاضي أبو جعفر البحاثي له في أبي عبد الله بن هشام الزوزني يهجوه : .
إذا ابن أبي المهشوم أحضر مجلساً ... فيا ويل ديناري ويا ويل درهمي .
مليء بفض المال من كيس غيره ... كأن به ضغناً على كل مسلم .
وله في يحيى بن أبي جعفر الزوزني C : .
يا أيها السائل عن زوزن ... أمست خراباً شأنها أعوج .
رئيسها شيخ له لحية ... شوهاء لكن عقله كوسج .
النار والعرفج في وسطها ... هل تفلح النيران والعرفج .
وله أيضاً يهجو : .
تمنى أبو العباس لو أن دبره ... طريق بخارا والفيوج أيور .
فيدخل أير ثم يحرج آخر ... وبعض أماني الرجال غرور .
وأنشدني له أيضاً قال : أنشدنيه أبو علي العاصمي له : .
قلت للعامل الكثير اللجاج ... بأبي أنت ما دواء الخراج .
فتلكا وقال قولاً ضعيفاً ... ليس غير الأداء وجه العلاج .
غير جيم خراج زوزن طراً ... في سبال المخنث الحلاج .
وما أحسن ما قال الثعالبي نثراً : " الخراج خراج دواؤه أداؤه " .
أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن .
المعروف بكورخر .
يقول من قصيدة : .
مساءلة الرسوم عن الغواني ... لدى الحكماء من سفه الوليد .
إذا ضيعت دمعك في رسوم ... فرأيك ليس بالرأي السديد .
وما من حكمة خطرات شوق ... إلى عين موردة الخدود .
وله : .
يزري بعقلك تعريج على دمن ... مرت عليها صروف الدهر والزمن .
إن الوقوف بدار لا أنيس بها ... يقضي على عزمات الرأي بالغبن .
وله : .
تأوبني من حب أسماء أولق ... عشاء إلى أن كادت الشمس تشرق .
وما في طلوع الشمس كشف لكربة ... ولكن صدر المرء بالليل أضيق .
المصراع الأول ينظر إلى قول امرئ القيس : " وما الإصباح منك بأمثل " .
تصديت لي في النوم فارتحت هاجداً ... وما كل رؤيا في هوى النفس تصدق .
وكتب إلى ابنه أبي علي من خواف : .
محمد إن مرت سنوك ولم تنل ... من العلم حظاً لم تكن بمحمد .
ولست براض عنك إن لم توافني ... عشية يوم السبت أو ضحوة الغد .
لتدرك حظاً من أبيك فإنه ... أسن وأمسى للمنون بمرصد .
وله في الأمير أبي إسماعيل الميكالي : .
كأنهم فلق الإصباح منبلجاً ... كل أمير وكل بالعلا حال .
سيادة ورثوها عن أوائلهم ... كف الأذاة وجود الكف بالمال .
إن الأصول إذا طابت منابتها ... طال الفروع وليس النبت كالضال .
وله : .
وقافية حذاء ألقيت حشوها ... وصححت معناها فجاءت مهذبه .
مصدقة في كل ما نطقت به ... وإن كذبت أيضاً فغير مكذبه .
لها رونق لا يخمد الدهر نوره ... منقحة من كل عيب مشذبه .
إذا شعراء السوء قالوا فعذبوا ... قوافي شعر لم تجدها معذبه .
أبو جعفر محمد بن إبراهيم المعدني