فصل آخر : " أما تهديد فلان وإبعاده وإبراقه وإرعاده فما أولاه بأن ينساني ويترك في الغمد لساني إذ لست بالرجل الذي يتضعضع ركنه من سنانه ويقعقع له بشنانه فوالله لو أنه كان ناراً وكنت حطباً لما خشيت منه عطباً وإن كان ذئباً وكنت خروفاً لما خلته مخوفاً . أو كان سيفاً مسلولاً وكنت لصاً مغلولاً لما تقاعست عنه نكولاً . فسيان عندي وعده ووعيده وتقريبه وتبعيده إن مناني لم أرجه وإن عناني لم أهجه . ولو كان إنساناً لكفيته إساءة وإحساناً أو كان أحداً لما وجد دون عتبي أو عتابي ملتحداً لكنه كلب والكلب عضه صعب والعذرة والوقيعة في العذرة متعذرة . وذباب والذباب لا يؤلمه سباب وتيس والتيس ليس له كيس . إنا لله من الكلب كيف انتقم ومن السلح كيف التقم وكيف أجرب ذباب السيف على ذباب الصيف وكيف أعاقب التيس والعقل هنالك ليس فلم يبق إلا تقصير الكلام والسلام " .
ومن ترصيعه مع التجنيس : " لا زالت معادن المعادين بصولته مروعة ومساكن المساكين بصلته مريعة " .
وله في هذه الصنعة ما هو أبلغ من هذا الفصل وهو مرصع في ثمانية عشر موضعاً قوله : " فلان ما سال بالنوال عفواً على الأخوان وقت الشراب والقيام إلا نضب النيل المائج خفراً من إسراف صلته ونواله ولا اختال في النزال خطواً إلى الأقران تحت الضراب والطعان إلا هرب الفيل الهائج حذراً من إجحاف صولته ونكاله " .
ومما أختار من شعره في المديح قوله في الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي رحمة الله عليهما : .
حوى دست مولانا الأمير أخي العلا ... أبي الفضل طلقاً بالعشيات بساما .
قد امتلأ الدنيا قناً وقرى به ... فتخشاه مطعاناً وتغشاه مطعاما .
وأبدع بالرمحين طعناً وكتبةً ... فصار لحب القلب والدر نظاما .
ووطفت عرض الأرض لم أر مثله ... حكيماً شجاعاً يقطع الحكم والهاما .
فقولا لصرف الدهر عني فإنني ... علقت بكاف صدره ألف اللاما .
يقوم له السادات في السلم قاعداً ... ويقعد عنه القرن في الحرب إذ قاما .
وله من قصيدة غير قصيرة : .
حركات الوزير قد بشرتنا ... بدوام السرور والبركات .
وكأنا أهل الجنان نزلنا ... عنده آمنين في الغرفات .
هو في الصدر ذو حجى وثبات ... وهو في القلب طائش الوثبات .
ضارب في العلا بأوفر سهم ... طاعن في العدا بأمضى قناة .
وهو بحر للعلم بر بأهل ال ... فضل طود للحلم جم الحصاة .
ذكر المرهفات أنثى العطايا ... حدث النادرات كهل الأناة .
ضاحك السن في النعيم وفي البؤ ... س مع النازلين والنازلات .
خافض الجأش والجناح لإهلا ... ك معاداً لامتلاك موات .
من بلاه لدى البلاء رآه ... أفضل النائبين في النائبات .
وبنفسي دواته إن فيها ... للمعالي جوامع الأدوات .
يا لسوداء حامل الظهر والبط ... ن بحمر الحلى وبيض البنات .
تتماشى خطاً وترجع نقطاً ... من أعاجيب صنعها راقصات .
أهو الحظ أم نقوش الغوالي ... في خدود الأوانس الخفرات .
بل هو الروض غب غيم مطير ... غازل الشمس نوره بالغداة .
وهو اللفظ أم رحيق عتيق ... شج سلسالها بماء فرات .
وله أيضاً من قصيدة : .
إذا ما الأريحية حركته ... تروقك هزة الغصن الوريق .
وإن تكن الحفيظة أغضبته ... تهولك بطشة الفحل الفنيق .
فعند الصحو يبذل كالسكارى ... وعند السكر يحكم كالمفيق .
ويضحكه الوعيد من المعادي ... ويبكيه العتاب من الصديق .
شجاعته إذا التف العوالي ... تذكره معانقة العشيق .
ويأبى للمروءة حين يخلو ... مطايبةً مع الرشأ الرشيق .
ومن غزلياته قوله في غلام مطرب : .
ومطرب صوته وفوه ... قد جمع الطيبات طرا